فظاهر النظم أن يقال: يخرجون من الأجداث خشعا أبصارهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر. ولكنه قدم بعض الكلم على بعض ليحقق للكلام جرسه وإيقاعه المرهب، وليقيم في القلب تطلعًا إلى ما سيكون منهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر، فيأتي قوله (خشعا أبصارهم) ليملأ القلب فزعا، يزيده ذلك التشبيه (كأنَّهم جراد منتشر) فما أبشع هوانهم يومئذٍ، وهم الذين كانوا من قبل إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّوَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ.

كلّ ما في السورة يصدح بالنذير، ومن ثمّ بسط البيان في خاتمتها لما سيكون للمجرمين يوم القيامة: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)

وليجعل مقطع التلاوة هذا النغم الرقيق ينساب في قلوب المتقين: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)

فيرسم بهاتين الآيتين صورة للنعيم بطرفيه – كما يقول سيد قطب -

? " نعيم الحسّ والجوارح في تعبير جامع شامل (في جنات ونهر)

يلقي ظلال النعماء واليسر حتّى في لفظه الناعم المنساب، وليس لمجرد إيقاع القافية تجيءُ كلمة (نَهَر) بفتح (الهاء) بل كذلك لإلقاؤ ظلّ اليسر،والنعومة في جرس اللفظ،وإيقاع التعبير.

? ونعيم القلب والروح. نعيم القرب والتكريم {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} فهو مقعد ثابت مطمئن قريب كريم مأنوس بالقرب مطمئن بالتمكين ذاك أنهم المتقون...." (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015