ومن ثَمَّ يَجْمُلُ بنا ألاَّ نقصرَ أثر نظم البيان العالي فضلا عن العَلِيِّ على الأثرِ الموضوعِيّ المتعقِّل الذي يمكن إدراكه وضبطه ووصفه والإبانة عنه، بل علينا – فريضة تدبّريّة تذوقيَّة – أن نجمع إليه الأثر الانطباعيّ الذي نشعر به وندركه، ولا نضبطه، ولا نتمكن من وصفه، والإبانة عنه كالأثر النفسيّ الذي ندركه من خلال جرس الكلام وإيقاعه، وهو لا يقلّ أهمية في تحقيق التثقيف النّفْسِي للمتلقي الأثرَ الموضوعيّ المتَعَقّل.

وهذا ما يمكن أنْ تدركه من العدول الموقعيّ لبعض عناصر البنية اللغوية للخطاب كما سبق بيانُه، فليس بلازم حصر أثر ذلك العدول في الأثر الموضوعِيّ المتعقَّل من نحو توكيد أو تخصيص ... إلخ بل قد يصاحب هذا أثر نفسي انطباعي قد يكون أظهر وأسرع إدراكًا من الأثر الموضوعِيّ المتعقّل.

وإذا ما كان علينا الأَّ نرغبَ عن القولِ به لأنّه حقيقة قائمة في البيان، فعلينا ألاَّ نجزم بأنّه أثرٌ أجرد، لايصاحبُ أثرًا موضوعًا متعقَّلا، لأنّ البيان الذي نحن بصدده بيانٌ وصفه المكتلم به بأنه كريم مجيد.

وقد جاء عن "الزمخشري " فيما نُقِلَ عن كشافه القديم قوله: «لاتحسنُ المحافظة على الفواصل لمجردها إلاَّ مع بقاء المعاني على سردها، على المنهج الذي يقتضيه حسن النظم والتآمه، فأمَّا أن تهمَل المعاني،ويهتمّ بتحسين اللفظ وحده غير منظور فيه إلى مؤداه، فليس من قبيل البلاغة» (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015