فاذا أنت نسجت كلمات البيت نسجاً آخر لا يخرج على قواعد النحو من نحو (سالت شعاب الحى عليه بوجوه كالدنانير حين دعا أنصاره) كما يقتضى ظاهر البناء اللغوي، فقد ذهب الذى كنتَ تجد من حسن وحلاوة وأريحية ونشوة، وفى هذا دلالة على أنَّ النَّظم وإن كان عمود بلاغة الكلام، فإنَّه أيضاً معه إيقاعٌ جالبٌ حسناً وحلاوة ونشوة واريحية.
وأنت تجد مثل هذا ظاهرًا في القرآن الكريم:
{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ* حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ) (القمر:4-7)
تدبَّر هذا النسق الصوتي البادي في فواصل الآيات، وكيف أن فواصل الآيات معتلقة تركيبيًّا بما قبلها وما بعدها،ولو أنك أردت في غير القرآن أن تنسقها كما يقضي ظاهر النظم لقلت: (يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ) وستجد أن فيضًا من المعاني النفسية قد ضاع، وفقد البيان رونقه وبهاءه، وأنت لم تفعل غير أنك أقمت الكلمات والجمل مقاماتها التي يقتضيها ظاهر أصل النظم، فحقَّ أنَّك وجدت سبب أن راقك ما في النظم القرآنيّ ولطف عندك أن قدّم فيه شىء وحول اللفظ عن مكانه إلى مكان، كما يقول الإمام.