خلًّا فإنما هو رأيه، وأقول: إن عصير العنب والتمر لو كان مزاً وقارصاً فلا منع فيه، والله أعلم، ولا يمكن قول الحافظ في المرفوع محملاً لآثار الطحاوي عن عمر فإن في الألفاظ تصريح أنه صار مشتداً لا أنه قرب الاشتداد، ولأبي حنيفة أثر آخر أيضاً وهو أن رجلاً شرب النبيذ من سخية الفاروق الأعظم وأسكر فحدَّ فقال: يا أمير المؤمنين إني شربت من شنتك، فقال عمر: حددتك من الإسكار، أخبرنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج قال: أخبرني إسماعيل إن رجلاً عب في شراب لعمر بن الخطاب بطريق المدينة فسكر فتركه عمر حتى أفاق فحده ثم أوجعه عمر بالماء فشرب منه. قال: ونبذ نافع بن عبد الحارث لعمر بن الخطاب المزاد وهو عامل له على مكة، فاستأخر عمر حتى عد الشراب طوره فدعا عمر فوجده شديداً فصنعه في الجفان فأوجعه بالماء ثم شرب وسقى الناس، وأعلى الأشياء من جانب أبي حنيفة اعتذاراً ما أخرجه الطحاوي مرفوعاً ص (327) ج (2) قال: اشربا ولا تسكرا إلخ، ويمكن أن يقال: إن المراد باشربا الأنبذة لا الماء أو اللبن أو غيرهما لكن في الطحاوي والنسائي: «ولا تسكرا» فلا حجة لنا، وقال النسائي: إن لفظ ولا تسكرا وهم الراوي، والفرق بين لا تسكرا ولا تشربا مسكراً إلخ واضح ولكن حكم النسائي بأنه وهم الراوي غير متيقن، وأطنب الطحاوي في المسألة ما لم أجد ذلك التفصيل في غيره من الروايات، ورأيت في كتاب أن النسائي قد رمي في النبيذ بأنه كان يشرب على مذهب العراقيين لعله أطنب لهذا الاتهام ولم أجد الشفاء، فيما ذكر أهل كتبنا لكن في عقد الفريد كتاب الأدب شيء زائد على ما في كتبنا، ونقل التوسيعات في النبيذ من السلف الكبار وإني لم أجد رواية عن الشيخين موافق محمد، ولو وجدت لقطع بها وإن كانت شاذة ولكن لم أجد مع التتبع الكثير، وأما ما وقع في نظم ابن وهبان فزعمه بعض العلماء أنه مروي عن الشيخين موافق محمد والحال أنه ليس مراده ما زعموه بل
مراده إن وقوع الطلاق مروى عن الثلاثة لا حكم النهي عن قدر قليل من الأشربة فادره فإنه زل فيه الأقدام، وشعر نظم ابن وهبان هنا:
~ ويمنع عن بيع الدخان وأوقعوا ... طلاقاً لمن من مسكر المحب يسكر
~ وعن كلهم يروى وأفتى محمد ... بتحريم ما قد قل وهو المحرر
وزعموه أن المروي عن الكل تحريم ما قد قل، والحال أن المروي هو وقوع الطلاق. (واقعة) في شرح الهداية أن أبا حفص الكبير أفتى بحرمة النبيذ فقيل له: خالفت أبا حنيفة، فقال: ما خالفته فإنه يحرم إذا كان للتلهي، وأناس الزمان يشربونه على التلهي.
واعلم أن ما ذكرت جميعه كان أكثر مما ذكره مصنفونا، ومع ذلك أعترف أنه كان على طريق الكلام والمناظرة بالخصم ويجب العمل بما قال الجمهور ومحمد بن حسن، وأعلى ما وجدت عن أبي حنيفة وأبي يوسف أن ما في شروح الهداية قال أبو حنيفة: لو أعطيت جميع ما في الدنيا ومثلها لأشرب قطرة نبيذ فلا أشربه فإنه مختلف فيه، ولو أعطيت جميع ما في الدنيا لأحرم النبيذ لا أحرمه