وكانت عاقبة هذا التسامح أن خذلوا القوط وتنكروا لهم أمام الفاتح الجديد، فلم تدافع مدينة عن نفسها، ولم يحاول أحد أن يشترك حتى في مناوشة، ولم يتظاهر السكان بأنهم مغلوبون على أمرهم. بل إنهم حالما شهدوا تلك القلة الضئيلة يقودها بلزاريوس، نكسوا كل علم قوطى وتنافسوا فيما بينهم في إظهار الولاء لبلزاريوس وسيده، فجرحوا بذلك شعور القوط جرحاً عميقاً ظلوا يتلمسونه ويتألمون منه على مر الأيام، حتى إذا أمكنتهم الفرصة أيام توتلا كان أول عمل قاموا به الانتقام لأنفسهم من صقلية الخائنة المتقلبة (?) .

ولم تطل الفرحة بالصقليين فسرعان ما وجدوا أنفسهم يدفعون الضرائب الفادحة لخزينة الامبراطور، وعين جستنيان للجزيرة بريتوراً praetor من الدرجة الثانية، وجعل منها ومن دلماتيا ولاية واحدة (?) .

وخضعت صقلية للأنظمة التي فرضها جستنيان على ما فتحه في الغرب، تلك الأنظمة التي جرت ألوان التعاسة على أفريقية وإيطالية. ويرى بروكوبيوس (في تاريخه السري) أن أقفرت من سكانها، وخليت الولايات دون حماية، وأصبح حكمها سيئاً، ورزحت تحت عبء الضرائب والاضطهاد الديني والثورات العسكرية، ومهما يكن في كلامه من مبالغة ففيه أيضاً جانب كبير من الحق (?) .

أما حال الجيش فخير ما يصور لنا بؤس صقلية حينئذ أن العساكر البيزنطية كانت كالمجتمع نفسه أخلاطا من شعوب، لا يمكن أن تنبت في صدورهم محبة الوطن. وضعف الإغريق الذين كانوا عصب الجسم في الإمبراطورية، وغرقوا في الخرافات والأساطير وأخذوا يتهربون من الجندية، ويدفعون الفدية عن أنفسهم، فأصبح التجنيد وقفاً على البرابرة وسكان الحدود، ولم تكن الموارد الاقتصادية تكفي لتمد الجيوش بما يقوم بحاجاتهم، فلجأ القادة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015