العرب في صقليه (صفحة 163)

في آذانهم رنيناً عذباً، وقد عبر عبد الحليم عن هذا الظمأ إلى الجزيرة بقوله:

عشقتُ صقليةً يافعاً ... وكانتْ كبعض جنان الخلود

فما قدرَ الوصلُ حتى اكهلتُ ... وصارتْ جهنمَ ذاتَ الوقود وفي هذه النغمة المتألمة نحس بحقيقة ما كان يشعر به عبد الحليم من عشق - عشق اليافع الذي مضى به العمر وهو ظامئ فلما قدر له اللقاء وجد الحبيبة قد حالت عن عهدها، ولقيت آماله بضدها. فما استطاع عبد الحليم أن ينال أمنيته إلا حين أصبحت صقلية جهنماً بالفتنة، ومثل عبد الحليم شعراء آخرون كانت تدفعهم بوهيمية الآمال إلى صقلية فيخرجون. أثر حبيب هاجر إليها قبلهم (?) أو يلقيهم على ساحلها شوقهم إلى حياة الحانات ودور الرقص والغناء. ولم يكد عبد الحليم يحل صقلية حتى وجدها بركاناً تقذف بالحمم، فلجأ إلى ساحة ابن منكود، حيث لجأ ابن رشيق قبله وذهب يسخر أصالته الفنية الجميلة في المدح حتى استفرغ فيه جهده، وشعر هو بأنه قد زاد في النزع عن تلك القوس - في مدح ابن منكود - فقال معتذراً عن نفسه (?) .

يقولون كثر عبد الحليم ... فإلا اقتصاداً وإلا اقتص

وفضلُ أبى القاسم المجْتبي ... كفاني احتجْاجاً لهمْ واعتذرا

تغارُ العلا لابن منكودها ... فلا تقبلُ المدْح فيه اختصارا لقد أحب عبد الحليم صقلية فلم يستطع أن يفارقها حين غزاها النورمان، ودالت دولة ابن منكود ممدوحه، وانتقل من بعد إلى بلرم وعاش في كنف رجار، ولكنا لا نسمع بعد ذلك شيئاً عن حياته (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015