العرب في صقليه (صفحة 148)

الحياة العقلية

مجالاتها الجديدة ونصيب المسلمين فيها

كان النشاط في الميادين العلمية أثناء العصر العربي آخذاً مجاله في المسجد والقصر والكتاب، أما في العصر النورماني فقد استوى الكتاب والمسجد في حقيقة الدراسات - إلا قليلا - وأصبح القصر أو الأمير هو الكعبة الكبرى التي تحوم حولها العلوم كما تحوم الآداب. وبرزت هذه المركزية الجديدة بوضوح حتى غطت عل آفاق النشاط الأخرى وطمستها أو حجبها - على الأقل - عن أعيننا. ولا شك في أن المسجد العامر بألوان الدراسات الفقهية واللغوية والأدبية فقد تضاءل شأنه في العصر النورماني، وانهزمت الدراسات الدينية أمام الدراسات العلمية الأخرى. ولما زار ابن جبير صقلية وجد المساجد فيها محاضر لمعلمي القرآن - والقرآن فقط أي أن هذه المساجد كانت موئلا للمعلمين الذين كانوا - كما شاهدهم ابن حوقل من قبل - يلقون إلى طلبتهم أجزاء من الكتاب ليحفظوها عن ظهر قلب. وإذا كان ابن ظفر قد ألف في هذا العصر كتباً كثيرة في التفسير واللغة والمواعظ فليس هذا بدليل على أن صقلية كانت مقبلة بحماسة على هذه الدراسات لأن ابن ظفر لم يكن صقليا عند التحقيق إذ ولد في صقلية وعاش في العالم الإسلامي متنقلا، وكانت زيارته لصقلية في سن عالية، زيارة قصيرة الأمد، إلا أنا نسمع أسماء نحويين كثيرين من أواخر العصر العربي وأسماء فقهاء في صقلية نفسها عاشوا في العصر النورماني ولابد أنهم كانوا يزاولون شيئاً من هذه الدراسات، غير أن الحقل الواسع الذي نمت فيه الدراسات الدينية على أيدي الصقليين أنفسهم كان خارج صقلية.

وقد قامت الحياة العملية في هذا العصر على المشاركة في غير لغة واحدة، وكان لابد لمن يحاول الحظوة في الدولة والصدارة في دواوينها، أن يتقن لغة فأكثر ومن ثم قامت الحياة العقلية على أكتاف أناس طامحين يعملون في خدمة الدولة بعملهم ومعرفتهم. وليس من الضروري أن يكون هؤلاء صقليين أصلا. ومما يميز

طور بواسطة نورين ميديا © 2015