أن نعترف بها قبل البدء في مناقشة هذا الانتساب العرقي بين العرب وبين سام بن نوح، وهذه النقطة هي أن العرب كانوا حريصين على ظاهرة النسب في عمومها، وعلى وجه الخصوص في العصر الجاهلي, وهو أمر نلمسه بشكل واضح في الشعر الجاهلي وما فيه من مواضع كثيرة يفخر فيها شعراء الجاهلية بانتسابهم إلى عشيرة أو قبيلة معينة, أو يهجون فيها عشيرة أو قبيلة أخرى. وفي الواقع فإن هذه الظاهرة كانت من طبيعة الأشياء في شبه جزيرة العرب بكل ما أحاط بها من ظروف طبيعية تجعل العصبية رابطة أساسية تتكتل أو تلتف حولها كل مجموعة من المجموعات التي انقسم إليها سكانها، تلتف حولها القبائل البدوية في تلمسهم لأسباب الحياة تسابقا وتصارعا فيما بينها حول منابت العشب ومنابع الماء أو إغارة على قبائل الحضر المستقرة، وتتكتل حولها قبائل أو عشائر الحضر سواء في تصديقهم، عنفا أو سلاما، لغارات البدو، أو في صراعهم فيما بينهم داخل المدينة الواحدة أو داخل الإمارة أو المملكة الواحدة في صراعها حول الاستئثار بزمام السلطة وما يعنيه هذا من خير كثير في وقت لم يكن فيه سكان شبه الجزيرة قد عرفوا التكتل حول إيديولوجيات سياسية, ومن ثم كان التصور الوارد هو التكتل حول العصبية التي تقوم على أساس من رابطة العرق أو رابطة الدم والانتماء إلى أصل واحد سواء أكان حقيقيا أو موهوما. ونحن نلمس هذا التمسك بأرومة الدم أو الأصل الواحد في احتفاظ عدد من الأقوام أو المجموعات التي سكنت بعض أقسام شبه الجزيرة العربية بأسمائها حتى بعد أن تنتقل، لسبب أو لآخر, من مواطنها الأصلية إلى مواطن أخرى بعيدة عنها, فقوم عاد الذين يشير القرآن الكريم إلى موطنهم الأصلي في منطقة الأحقاف في القسم الجنوبي من شبه الجزيرة تحت اسم عاد الأولى، لا نلبث أن نراهم، سواء في القرآن الكريم أو في الكتابات الكلاسيكية في موطنهم الجديد في القسم الشمالي الغربي من شبه الجزيرة, محتفظين باسمهم القديم, والثموديون الذين لا تزال نقوشهم قائمة حتى الآن في المنطقة الوسطى نراهم، هم الآخرون، وقد احتفظوا باسمهم في المنطقة الشمالية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015