يحرص الشعراء الكبار، على الأقل, على تدوين قصائدهم التي نجدها مليئة بما يفخرون به من فروسية وبطولة وكرم وإباء، يتشبثون بذكر ذلك كله بمناسبة وبغير مناسبة ويصلون في حرصهم هذا إلى قدر كبير من المبالغة كأنما يريدون أن يسمعوا كل قبائل العرب بهذه الأمجاد.

ويبقى الحديث في نهاية هذا الموضوع عن الرواة من علماء القرنين الثاني والثالث بعد الهجرة وما دار بينهم من اتهامات يشكك من خلالها كل فريق في رواية الفريق الآخر. وعلى سبيل مثال واحد من هذه الاتهامات فقد نُسب إلى المفضل بن محمد الضبي، صاحب "المفضليات" أنه قال عن حماد الراوية: إنه "رجل عالم بلغات العرب وأشعارها ومذاهب الشعراء ومعانيهم، فلا يزال يقول الشعر يشبه به مذهب رجل ثم يدخله في شعره، ويحمل ذلك عنه في الآفاق, فتختلط أشعار القدماء ولا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد، وأين ذلك؟! ". ويرد أحد النقاد من المستشرقين وهو تشارلز لايال charles lyail على هذا الحديث المنسوب إلى المفضل، أنه على افتراض أن المفضل قال ذلك فعلًا -حسبما يروي صاحب الأغاني- وحتى لو سلمنا بأن حمادًا كان ينحل الشعر فيشبه شعر الشاعر الحقيقي بحيث يستحيل التمييز بين الأصيل والمنحول، فكيف أمكن أن يعرف أنه منحول إذا لم يكن هناك من يعرف القصيدة في صورتها الأولى من غير ما أضيف إليها من زيادات موضوعة؟!. فإذا أدخلنا في اعتبارنا أن المفضل كان من أعلم الناس بالشعر وأقدرهم على تمييز صحيحه من منحوله يصبح الاستنتاج السليم هو أن المفضل نفسه كان يعرف الشعر الصحيح. ثم يستطرد المستشرق في رده ليقول: إن حمادًا إذا كان يحاكي الشعر القديم فإن ذلك يدل على وجود أصل يحاكيه حماد، فإذا قلنا: إن ما بين أيدينا ليس سوى الصور المنحولة, وإنه لم يتبق شيء من الأصل نفسه فإن ذلك أمر لا يقره الفهم السليم للأمور40.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015