على أن قلة من القوم هم الذين كانوا يعرفون الكتابة. وهو قول تؤكده آية أخرى {وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} 38 وهي إشارة تفيد كذلك أن الكتابة كانت منتشرة بين أهل الحضر في المدن حيث يقيم التجار أكثر منها في البادية التي تمر بها القوافل التجارية في أثناء سفرها. ولكن مع ذلك تبقى ممارسة الكتابة في المجتمع الجاهلي قائمة ويبقى عدد الذين يعرفون الكتابة كافيًا لتدوين العقود والديون وبقية المعاملات بين التجار في مجتمع كانت التجارة تشغل فيه حيزًا أساسيًّا بين الموارد الاقتصادية.
وهنا أعود إلى حفظ الشعر عن طريق الكتابة فأقول: إنه إذا كان العرب حريصين على تسجيل معاملاتهم التجارية عن طريق الكتابة، فإن حرصهم لن يقل عن ذلك، إن لم يزد عليه في الواقع، على تدوين أشعارهم. فالقبائل، كما أسلفت، كانت تنظر إلى القصائد التي تعدد أمجادها على أنها سجل لتخليد هذه الأمجاد، وهو أمر يتضح لنا من فخر القبائل بانتصاراتها وتمييز الأيام التي حدثت فيها هذه الانتصارات على غيرها من الأيام على أنها أيام مشهودة ومشهورة يعرفها الجميع دون حاجة إلى استيضاح أو تفصيل39، وما دام الكتاب أو من يعرفون الكتابة موجودين فيبدو أمرا طبيعيا ومنطقيا أن تلجأ إليهم هذه القبائل لتسجل القصائد التي يرد فيها ذكر هذه الانتصارات -وهو أمر يصبح واردا بشكل أكثر إذا أدخلنا في اعتبارنا أن بعض هذه القصائد كان يكتب على امتداد أكثر من مناسبة كما هو واضح، على سبيل المثال، في معلقة عمرو بن كلثوم، وما دام الأمر كذلك فإنه يصبح طبيعيا أن