-قرآناً وحديثاً-، ولو استُحْضِر هذا الضَّابط المنهجي المهمّ عند الاجتهاد في فهم نص من نصوص الوحي -كتاباً وسنة-؛ لما انتشر بين المسلمين التفاسير الخادمة للتوجهات، والأفكار، والمذاهب، والمشارب ... ، بل إنّ أهمية هذا الضابط تتجلى أكثر في كونه المنهج الذي التزمه الأصحاب -رضي الله عنهم- عند تعاملهم مع النص الشرعي، ممّا جعل فهمهم له فهماً لا يُدارى، ولا يُضاهى؛ إذ كان الصحابي يبذل ما وَسِعَه من جهد في فهم النص الشرعي، دون أنْ يجعل مواقفه أو اتجاهه حاكماً على فهمه، بل كان النص الشرعي هو الذي يكوِّن له مواقفه، ومقرراته، وهو الذي على ضوئه يتخير مذهباً، أو ينتهج منهجاً معيَّناً (?) ، ولذلك سلم فهمُهُم لمراد الشارع من نصوصه، ولم يظهر في أيامهم ولا في تفاسيرهم أيُّ لون من ألوان التفسير السياسي، أو المذهبي للنص القرآني أو النبوي، وإنّما ظلّت أفهامُهم للآيات غيرَ متأثرةٍ بأيِّ موقف من المواقف المؤيدة أو المناوئة ...

وعليه؛ فإذا ما تجاوز المجتهد في اجتهاده هذا الضابط المنهجي، فحدِّثْ ولا حرج عن التأويلات الجائرة الخائرة في البُعْد عن مراد الشارع من نصوص وحيه -كتاباً وسنةً-، بل إنّ مجتهداً يأتي إلى النص الشرعي ورأسُه مليء بطائفة من التصورات والمواقف والمقررات والرواسب؛ فإن الفهم الذي يتوصل إليه لا يعدو سوى أنْ يكون جملة مِن تصوراته، أو طائفة مِن مقرراته، ولا يمكن أنْ يَهدِيَه ذلك الفهمُ إلى مراد الشارع -جلَّ جلاله-.

إنَّ هذا الأمر مُشاهد على مستوى الكتب البشرية؛ نعني: أنه لو أنّ مؤلفاً نظر في كتاب -وفي خلده أفكارٌ، وتصوراتٌ مقررة- فإنّ فهمه لذلك الكتاب سيتأثر بطريقة مباشرة وغير مباشرة بأحكامه الأولية المقررة، وتصوراته الموجّهة لتفكيره ومنهجه، مما يُفقده القدرة على التوصل إلى حقائق ما يحمله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015