وينبغي أنْ يراعي مَن يقوم بذلك: التزام التجرد والموضوعية في فهم النصوص؛ بمعنى: «يجب أنْ لا يخضع [النص] لأيّة مقررات سابقة، أو رواسب قديمة، أو مواقف ممهّدةٍ سلفاً، بل يجب أن ينطلق فهم هذا النص من النص نفسه، وينبغي أنْ يستمد أيُّ فهمٍ صلاحيتَه وسلامتَه من النظر الأمين فيه، وليس مقبولاً أنْ يكونَ فهمُ هذا النص أسيرَ المواقف والرواسب والمقررات السابقة القديمة؛ وذلك لأنّ الأفهامَ التي تنطلق في أساسها من مواقف موافقةٌ، أو مناوئةٌ، من النادر أنْ يُوفَّق إلى الوصول إلى المراد الإلهي من نصّه، بل كثيراً ما تتميز بالإسقاطات والتكلف، ولهذا فإنه لكي يسلم الاجتهاد في فهم النص الشرعي؛ فإنّ على المجتهد أنْ يلتزم بهذا الضابط المنهجي: التجرّد والموضوعيّة.
ومرادنا من (التجرد) : هو تخلي المجتهد عن جميع مقرراته السابقة، ومواقفه المتعددة، وتوجهُه إلى النص الشرعي بعقلية نزيهة، تهدف إلى التوصل إلى المراد الإلهي بغض النظر أن يكون ذلك المراد الذي سيتوصل إليه موافقاً لمقرراته السابقة، أو مناوئاً لها.
وأمّا مرادنا بـ (الموضوعية) : فهي تجرّد المجتهد مِن الذّاتية، ومِن التحيّز لآرائه السابقة، ومقرراته القديمة، وتميزه بالأمانة والاستقامة عند الاجتهاد في فهم نص من النصوص؛ بحيث يجعل التوصل إلى المراد الإلهي من نصه هدفه ومرماه في اجتهاده.
وتكمن أهمية هذا الضابط المنهجي في كونه الضابط المظلوم (?) ضمن ضوابط الاجتهاد في فهم النص المنهجية، إذ إنه كثيراً ما يُغْفَل، ويُهْمَل ولا يُذكرُ إلا نادراً، وبسبب إهماله شاع التفسير السياسيّ والمذهبيّ للنص الشرعي