إن منطق القوة لم يعهد في الشرع مزيلاً ليدٍ محقَّةٍ، ومقرِّراً ليدٍ مبطلَةٍ؛ لأنه محض بغي وعدوان، وذلك بالبداهة لا يصلح سنداً للملكية؛ لكونه محرماً في الشريعة تحريماً قاطعاً.
ولو أُقِرَّ مبدأُ العدوان هذا، لانخرم أصل الحق والعدل، ولاضطرب حبل الأمن في العالم كله، وما أنزلت الشرائع، وأرسل الرسل، إلا لاجتثاث أصول العدوان، ولإقرار الحق والعدل بين البشر؛ لقوله -تعالى-: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديث: 25] .
وأيضاً لو كان الاستيلاءُ القهريُّ بقوة السلاح (?)
من قبل الأعداء وسيلةً مُعتَرَفاً بها شرعاً، لامتلاكهم أموالَ المسلمين، واستيطانِ ديارهم بعد إخراجهم منها، لما وجب الجهاد -في مثل هذه الحالة- فرضاً عينيّاً على كل قادر على حمل السلاح رجالاً ونساءً، بالإجماع؛ من أجل استرداد ما استولى عليه العدو عنوة! والله -تعالى- يقول: {وَأَخْرِجُوهُمْ منْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191] .
وقد تضافرت نصوص القرآن الكريم على وجوب دفع العدوان قبل وقوعه بالجهاد بالأنفس والأموال، وعلى وجوب إزالته بعد الوقوع، ولم يعهد أنه سبيل لتملك الأعداء ديارَ المسلمين وأموالَهم.