أين خصماء الله فتقوم القدرية مسودة وجوههم مزرقة أعينهم مائل شدقهم يسيل لعابهم فيقولون والله ما عبدنا من دونك شمساً ولا قمراً ولا صنماً ولا وثناً ولا اتخذنا من دونك إلهاً"
قال ابن عباس: صدقوا والله أتاهم الشرك من حيث لا يعلمون ثم تلا: (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ). هم والله القدرية ثلاثاً ا. هـ.
وقال الطبري: وقوله (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ) يقول: ويظنون أنهم في أيمانهم وحلفهم بالله كاذبين على شيء من الحق ا. هـ.
وقال ابن كثير: أي: يحلفون بالله عز وجل أنهم كانوا على الهدى والاستقامة كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا، لأن من عاش على شيء مات عليه وبعث عليه ويعتقدون: أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم عند الناس فيجرون عليهم الأحكام الظاهرة ولهذا قال: (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ). أي: حلفهم ذلك لربهم عز وجل ا. هـ.
وقال الشوكاني: (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ) أي: يحسبون في الآخرة أنهم بتلك الأيمان الكاذبة على شيء مما يجلب نفعاً أو يدفع ضرراً كما كانوا يحسبون ذلك في الدنيا ا. هـ.
قلت: فهذه النصوص بأقوال أهل العلم شاهدة: بأن آفة جميع المنافقين الجهل والتأويل وظنهم أنهم على شيء يظنونه صلاحاً، وأنهم به أهل العقل دون غيرهم ممن ليس على معتقدهم وأنهم بهذا ناجون في الدنيا والآخرة. وهم بهذا لا يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون وأعيد في هذا المقام قول الإمام الطبري السابق ذكره:
وفي هذه الآية من أوضح الدليل على تكذيب الله جل ثناؤه قول الزاعمين أن الله لا يعذب من عباده إلا من كفر به عناداً بعد علمه بوحدانيته وبعد تقرر صحة ما عاند ربه تبارك -وتعالى- عليه من توحيده والإقرار بكتبه ورسله عنده. لأن الله جل ثناؤه قد أخبر عن الذين وصفهم بما وصفهم به من النفاق وخداعهم إياه والمؤمنين أنهم لا يشعرون أنهم مبطلون فيما هم عليه من الباطل مقيمون وأنهم بخداعهم الذي يحسبون أنهم به يخادعون ربهم وأهل الإيمان به مخدوعون وأخبر تعالى ذكره: أن لهم عذاباً أليماً بتكذيبهم بما كانوا يكذبون من نبوة نبيه واعتقاد الكفر به، وبما كانوا في زعمهم أنهم مؤمنون وهم على الكفر مصرون".