ومنهم من يتردد بين الإيمان والنفاق لما يعتريه من الشكوك وليس لديه من العلم النافع ما يدفعها ويدحضها فتارة يكون مؤمناً إذا جاءه الوضوء، ثم إذا ذهب عنه وحل محله الظلام وقع في النفاق.

ومنهم من يكون مؤمناً ظاهراً وباطناً إلا أن إيمانه ضعيف لا يثبت على المحنة والبلاء فإذا أحاط به البلاء ارتد على عقبيه كالذين ارتدوا ساعة تحول القبلة وساعة أسرى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وكذلك يوم أحد نافق كثير منهم لم يكونوا من قبل منافقين وقد جاء ذكر هذا الصنف في قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ) [الحج: 11]. ثبت في البخاري عن ابن عباس في هذه الآية قال: كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاماً ونتجت خيله قال: هذا دين صالح وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال هذا دين سوء.

قال مجاهد: (انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ) أي: ارتد كافرا (?).

فهذا الرجل الذي جاء مهاجراً ليدين بالإسلام ظاهراً وباطناً وجعل خير القدر علامة على صحة هذا الدين وشره علامة على بطلانه فارتد عن الإسلام بنوع من الجهل والتأويل.

وقد أنزل العلماء هذه النصوص في أهل البدع بجامع: (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ). كما قال الإمام الشنقيطي عند تفسير هذه الآيات: والآية التي نحن بصددها وإن كانت في المنافقين. فالعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب (?) ا. هـ.

فكل من كان على عمل فاسد يظنه صلاحاً وأنه بهذا العمل من صفوة الله من خلقه وهو في حقيقة الأمر لا يزداد به من الله إلا بعداً ومقتاً تشمله هذه الآيات التي نحن بصددها سواء كان هذا العمل ابتداع أم إشراك بالله وهؤلاء الأجناس جميعاً يحسبون أنهم على شيء.

ولهذا يقول جل ثناؤه: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ). [المجادلة: 18].

قال القرطبي: (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ) بإنكارهم وحلفهم. قال ابن زيد: ظنوا أنهم ينفعهم في الآخرة .. وعن ابن عباس قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يناد مناد يوم القيامة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015