ممن ينقلب على عقبيه، فكان في شرعها هذه الحكمة، وكذلك أيضاً لما انهزم المسلمون يوم أحد، وشج وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- وكسرت رباعيته. ارتد طائفة نافقوا قال تعالى: (.. وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين) وقال تعالى: (.. هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ ..). فقوله: (وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ) ظاهر فيمن أحدث نفاقاً وهو يتناول من لم ينافق، قيل ومن نافق ثم جدد نفاقا ثانياً.
وقوله: (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ) يبين لهم أنهم لم يكونوا قبل ذلك أقرب منهم بل إما أن يتساويا وإما أن يكونوا للإيمان أقرب. وكذلك كان، فإن ابن أبي لما انخذل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد انخذل معه ثلث الناس قيل: كانوا نحو ثلاثمائة، وهؤلاء لم يكونوا قبل ذلك كلهم منافقين في الباطن إذ لم يكن لهم داع إلى النفاق.
وفي الجملة: ففي الأخبار عمن نافق بعد إيمانه ما يطول ذكره هنا، فأولئك كانوا مسلمين وكان معهم إيمان هو الضوء الذي ضرب الله به المثل فلو ماتوا قبل المحنة والنفاق ماتوا على هذا الإسلام الذي يثابون عليه ولم يكونوا من المؤمنين حقاً الذين امتحنوا فثبتوا على الإيمان. ولا من المنافقين حقاً الذين ارتدوا عن الإيمان بالمحنة وهذا حال كثير من المسلمين في زماننا أو أكثرهم إذا ابتلوا بالمحن التي يتضعضع فيها أهل الإيمان ينقص إيمانهم كثيراً وينافق أكثرهم أو كثير منهم. ومنهم من يظهر الردة إذا كان العدو غالباً. وقد رأينا ورأى غيرنا من هذا ما فيه عبرة. وإذا كانت العافية، أو كان المسلمون ظاهرين على عدوهم كانوا مسلمين. وهم مؤمنون بالرسول باطناً وظاهراً لكن إيماناً لا يثبت على المحنة (?) ا. هـ.
قلت: ومن هذه الآيات بفهم السلف الصالح لها يعلم أن المنافقين أجناس كثيرة.
منهم من كان يظهر الإسلام ويبطن الكفر ويظن أنه على صلاح وأن أمره هذا سيروج على الله (والعياذ بالله من هذا) كما راج على النبي -صلى الله عليه وسلم- والذين آمنوا، وهذا لجهلهم بالله. ولم يعلموا أنه -جل ثناؤه- قد أحاط بكل شيء علما وأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.