الثالث: (جعل) بمعنَى (خَلَقَ) وهي تنصبُ مفعولاً واحدًا، وهي التي تَقَدَّمَتْ في أولِ هذه السورةِ الكريمةِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: آية 1] أي: خلقَ الظلماتِ والنورَ.

هذه الأقسامُ الثلاثةُ من معانِي (جعل) أعنِي كونَها بمعنَى (اعتقد)، وكونَها بمعنى (صيَّر)، وكونَها بمعنَى (خلق)، كُلُّهَا في القرآنِ العظيمِ.

أما معناها الرابعُ فهو في اللغةِ، وليس في القرآنِ، وهو إتيانُ (جعل) بمعنَى شَرَعَ في الأمرِ، كقولِهم: جَعَلَ فلانٌ يفعلُ كذا. أي: شَرَعَ يفعلُه. ومنه بهذا المعنَى قولُ الشاعرِ (?):

وَقَدْ جَعَلْتُ إِذَا مَا قُمْتُ يُثْقِلُنِي ... ثَوْبي فَأَنْهَضُ نَهْضَ الشَّارِبِ السَّكِرِ

وهذا معنَى قولِه أي: وكذلك الجعلُ الذي جَعَلْنَا لكَ يا نَبِيَّ اللَّهِ أعداءً من كفارِ قريشٍ في مكةَ {وَكَذَلِكَ} الجعلُ {جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ} قبلكَ من الأنبياءِ {عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ}.

في هذه الآيةِ الكريمةِ سؤالٌ معروفٌ، وهو أن يُقالَ: إن المرادَ: أعداءٌ؛ لأنهم شياطينُ الإنسِ والجنِّ، وهم جماعةٌ، وأعداءُ الرسلِ جماعاتٌ لاَ مفردٌ، وهنا قال: {عَدُوًّا} بصيغةِ المفردِ، ولم يَقُلْ: «وكذلك جعلنا لكل نبي أعداءً» بل قال: {عَدُوًّا} وجاءَ في القرآنِ إطلاقُ العدوِّ مُرَادًا به الجمعُ في آياتٍ متعددةٍ كقولِه: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ} أي: أعداءٌ لكم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015