ومنه بهذا المعنَى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: آية 92] أي: شريعتُكم وطريقتُكم شريعةً واحدةً. وهذا معنًى معروفٌ في كلامِ العربِ، ومنه قولُ نابغةِ ذُبْيَانَ (?):
حَلَفْتُ فَلَمْ أَتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيبَةً ... وَهَلْ يَأْثَمَنْ ذُو أُمَّةٍ وَهْوَ طَائِعُ
يَعْنِي: أن مَنْ كان له دِينٌ لا يُخَالِفُ دينَه، فَيَأْثَمُ وهو طَائِعٌ، هذا لا يمكن.
هذه معانِي (الأُمَّةِ) في القرآنِ؛ وَلِذَا قال تعالى: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام: آية 108] والعملُ هو ما يفعلُه الإنسانُ يُجَازَى عليه بالخيرِ والشرِّ.
وقد دَلَّ استقراءُ الكتابِ والسنةِ على أن العملَ الذي يُجازَى عليه الإنسانُ بالخيرِ والشرِّ أربعةُ أنواعٍ لاَ خامسَ لها (?):
الأولُ منها: هو الفعلُ الصريحُ، كالسرقةِ والزِّنَى، والعياذُ بالله.
الثاني منها: القولُ؛ لأَنَّ القولَ فعلُ اللسانِ، وقد سَمَّى اللَّهُ في هذه السورةَ الكريمةَ - سورةَ الأنعامِ - سَمَّى فيها القولَ (فِعْلاً)؛ لأنه فعلُ اللسانِ، وذلك في قولِه: {زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} ثم قال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: آية 112] فَأَطْلَقَ على قولِ اللسانِ (الفعلَ)؛ لأنه فعلُ اللسانِ. هذانِ اثنانِ: القولُ والفعلُ.
الثالثُ من هذه الأشياءِ: إنما هو العزمُ المُصمِّمُ؛ لأن العزمَ المُصَمِّمَ على الشيءِ فِعْلٌ له، يدخلُ صاحبُه به النارِ، وقد ثَبَتَ في