ولفظُ (الأمةِ) في قولِه هنا: {لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} أُطْلِقَ في القرآنِ العظيمِ أربعةَ إطلاقاتٍ، كُلُّهَا لغةٌ صحيحةٌ جَاءَ بِهَا القرآنِ (?):
أُطْلِقَتِ الأَمَةُ على الطائفةِ من الناسِ المتفقةِ في دِينٍ أو نِحْلَةٍ. وهذا أغلبُ استعمالاتِها، ومنه قولُه هنا: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ} أَيْ: لِكُلِّ طائفةٍ من الناسِ متفقةٍ في دِينٍ أو نِحْلَةٍ. ومنه بهذا المعنى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ} [يونس: آية 47] {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [البقرة: آية 213].
الإطلاقُ الثاني في القرآنِ للأُمَّةِ: إطلاقُ الأمةِ على الرجلِ العظيمِ الْمُقْتَدَى به، ومنه بهذا المعنى قولُه تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: آية 120] أي: إِمَامًا مُقْتَدًى به، كما قال اللَّهُ له: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقر ة: آية 124].
المعنى الثالثُ: هو إطلاقُ الأُمَّةِ على الْبُرْهَةِ من الزمنِ، القطعةُ من الدهرِ، والبرهةُ من الزمنِ تُسَمَّى: أمةً، ومنه في القرآنِ: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: آية 45] أي: تَذَكَّرَ بَعْدَ بُرْهَةٍ من الزمنِ، ومنه بهذا المعنَى قولُه في أولِ هُودٍ: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ} [هود: آية 8] أَيْ: إلى قطعةٍ من الزمنِ مُعَيَّنَةٍ.
الإطلاقُ الرابعُ: إطلاقُ الأُمَّةِ على الشريعةِ والدينِ؛ لأَنَّ العربَ تُسَمِّي الأمةَ شريعةً وَدِينًا (?)، ومنه بهذا المعنَى قولُه: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: آية 22] أي: على شريعةٍ وملةٍ وَدِينٍ،