سَبْعٌ والأرضين سَبْعٌ، فصارت أربعةَ عشرةَ جُزْءًا؛ وَلِذَا قال: {أَتَيْنَا طَائِعِينَ} لأنه لَمَّا أَمَرَهَا وَخَاطَبَتْهُ صَارَتْ متصفةً بصفاتِ العقلاءِ. وهذا أَمْرٌ عَامٌّ معروفٌ، ومن شواهدِه في كلامِ العربِ قولُ الشاعرِ في هذا المقامِ (?):

إِذَا مَا الْغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْمًا ... وَزَجَّجْنَ الْحَوَاجِبَ وَالْعُيُونَا ...

تَرَى مِنَّا الأُيُورَ إِذَا رَأَوْهَا ... قِيَامًا رَاكِعِينَ وَسَاجِدِينَا (?)

فَوَصْفُ «سَاجِدِينَ» و «رَاكِعِينَ» وصَفَ بها ذلك الجزءَ من الإنسانِ الذي لا يعقلُ لَمَّا وصفَه بصفةِ العاقلِ، وهذا أسلوبٌ عَرَبِيٌّ معروفٌ، والكفارُ وَصَفُوا الأصنامَ بصفاتِ العاقلِ حيث قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: آية 3] {هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: آية 18] فلما وَصَفُوهُمْ هذه الصفاتِ أُجْرِيَ عليهم ذلك اللفظُ وإن كانوا في الحقيقةِ أخسَّ شيءٍ. وهذا معنَى قولِه: {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: آية 108].

ثم قال تعالى: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام: آية 108] كما زَيَّنَّا لهؤلاءِ الكفرةِ الكفرَ. وهذا التزيينُ معناه - والعياذُ بالله -: صَرْفُ قُدَرِهِمْ وإراداتِهم إلى ما سَبَقَ عليهم به الكتابُ الأَزَلِيُّ - كما كنَّا نُبَيِّنُ - لِكُلِّ أُمَّةٍ من الأممِ عملَهم؛ إِنْ خَيْرًا فخيرٌ وإن شَرًّا فَشَرٌّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015