ومن هذا النوعِ: إجماعُ العلماءِ من زمنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلى اليومِ في أقطارِ الدنيا أنه يجوزُ في البلدِ الواحدِ أن يكونَ - يَسْكُنُ - فيه الرجالُ والنساءُ. في هذا البيتِ رجالٌ ونساء، وفي هذا رجالٌ ونساءٌ، مع هذا بناتُه وأزواجُه وأخواتُه وهكذا، مع أن اجتماعَ الرجالِ والنساءِ في البلدِ الواحدِ قد يكونُ ذريعةً للزنى - أَعَاذَنَا اللَّهُ والمسلمين منه - من بعضِ الأفرادِ؛ لأنه قد يشيرُ إليها من غرفةٍ أو سَطْحٍ كما هو معروفٌ، وكما قال نَصْرُ بْنُ حَجَّاجٍ (?):
لَيْتَنِي فِي الْمُؤَذِّنِينَ نَهَارًا ... إِنَّهُمْ يَنْظُرُونَ مَنْ فِي السُّطُوحِ ...
فَيُشِيرُونَ أَوْ يُشَارُ إِلَيْهِمُ ... حَبَّذَا كُلُّ ذَاتِ دَلٍّ مَلِيْحِ
أو تُلْقِيَ إليه ورقةً، أو يلقيها إليها في موعدٍ يجتمعانِ فيه على القبيحِ الخسيسِ قَبَّحَ اللَّهُ مَنْ يَفْعَلُهُ، فاجتماعُ الرجالِ والنساءِ في البلدِ الواحدِ لا شَكَّ أنه ذريعةٌ لِفِعْلِ بعضِ الفواحشِ، ولم يَقُلْ أحدٌ من المسلمين بِسَدِّ هذه الذريعةِ، فَلَمْ يَقُلْ أحدٌ من العلماءِ: إنه يجبُ أن يُجْعَلَ جميعُ النساءِ في البلدِ على حِدَةٍ، ويُجعل عليهن حِصْنٌ من حديدٍ قَوِيٍّ، وأن يكونَ البابُ قَوِيًّا من حديدٍ، والمفتاحُ عِنْدَ رَجُلٍ تَقِيٍّ وَرِعٍ مأمونٍ ذي شيبةٍ وذي أزواجٍ، لم يقل أحدٌ هذا من الناسِ!! لأن وقوعَ الفاحشةِ ولو وَقَعَتْ من بعضِ الأخساءِ أمرٌ نادرٌ بالنسبةِ إلى مصالحِ المجتمعِ، ومعاونةُ الرجالِ والنساءِ على المجتمعِ الإنسانيِّ في مَصَالِحِهِ الدنيويةِ والأخرويةِ، فهذه الذريعةُ أُلْغِيَتْ لِعِظَمِ هذه المفسدةِ.