ولاَ تسكينُه من خيرٍ أو شَرٍّ إلا بمشيئةِ خالقِ السماواتِ والأرضِ. وهو يُوَجِّهُ قُدَرَ الخلقِ وإراداتِهم إلى ما سَبَقَ به العلمُ الأَزَلِيُّ، فيأتوه طَائِعِينَ، فَرِيقٌ في الجنةِ وَفَرِيقٌ في السعيرِ؛ لِيُظْهِرَ فيهم أسرارَ أسمائِه وصفاتِه.

وبهذا يتضحُ أن القائلين بالجبرِ مُفْتَرُونَ، وأن النافينَ للقدرِ أنهم كذلك مَجُوسُ هذه الأمةِ. فَاللَّهُ يُقَدِّرُ الأشياءَ في أَزَلِهِ، ويكتبُ كُلَّ شيءٍ، ثم يصرفُ بقدرتِه وإرادتِه إراداتِ الْخَلْقِ وقُدَرَهُمْ، فيأتونَ ما سَبَقَ به الْعِلْمُ الأَزَلِيُّ طَائِعِينَ.

وهذه المسألةُ قد سَأَلَ أصحابُ النبيِّ عنها النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فسألوه: هل هذا الذي نعملُ له شيءٌ مُؤتَنَفٌ، أو أَمْرٌ قد قُضِيَ في السابقِ وانتهى وَفُرِغَ منه؟ فَبَيَّنَ لهم - صلى الله عليه وسلم - أنه أَمْرٌ قُضِيَ وَفُرِغَ منه. فقالوا له: لِمَ لاَ نتركُ العملَ وَنَتَّكِلُ على ما سَبَقَ به الكتابُ في العلمِ الأَزَلِيِّ؟ فالنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أجابَهم فقال: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» (?). فمعنى هذا الحديثِ: أن اللَّهَ يخلقُ الخلقَ ويجبلُهم على ما شَاءَ مِنْ خُبْثٍ وَمِنْ خَيْرٍ وَمِنْ شَرٍّ ثم يُسَهِّلُ كُلَّ واحدٍ منهم وَيُيَسِّرُ له ما خُلِقَ له، فييسرُ للسعيدِ عملَ الخيرِ، وللشقيِّ عملَ الشرِّ، يصرفُ قُدَرَهُمْ وإراداتِهم بقدرتِه وإرادتِه، فيأتوه طَائِعِينَ؛ وَلِذَا قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [الأنعام: آية 107] أي: لَوْ شَاءَ عَدَمَ إشراكِهم بِاللَّهِ ما أَشْرَكُوا.

وقولُه: {وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا جَبَلَهُ اللَّهُ عليه من الرأفةِ والرحمةِ يُحْزِنُهُ عدمُ إيمانِهم، فاللَّهُ يقولُ له: أنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015