مَا جعلتُك حفيظًا عليهم، حافظًا تَحْفَظُهُمْ من الوقوعِ في الشرِّ، وَتُيَسِّرُهُمْ إلى الخيرِ، ولا جَعَلْتُكَ وكيلاً عليهم تحاسبُهم بأعمالِهم وَتُجَازِيهِمْ، بل أنا الذي أُوَفِّقُ مَنْ شئتُ، وَأُضِلُّ مَنْ شِئْتُ، وَأُحْصِي عليهم أعمالَهم فَأُجَازِيهِمْ عليها، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (21) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (22)} [الغاشية: الآيتان 21، 22] وكقولِه: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد: آية 40]. والمعنَى: كأنه يقولُ له: لستَ مُوَكَّلاً بأعمالِهم، ولا حَافِظًا لهم تُوَفِّقُهُمْ، حِفْظُهُمْ وَمُحَاسَبَتُهُمْ على اللَّهِ، وإنما أنتَ نذيرٌ، وقد قمتَ بوظيفتِك، وَبَلَّغْتَ، فَأَرِحْ نفسَك ولاَ تَحْزَنْ، كما قال له: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127)} [النحل: آية 127].
وقد تَقَدَّمَ في هذه السورةِ الكريمةِ قولُه: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} إلى أن قال: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} أي: فتقهرهم بها على الإيمانِ فَافْعَلْ. ثم قال: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)} [الأنعام: الآيات 33 - 35]. وقال له: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)} [الشعراء: آية 3] {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)} [الكهف: آية 6] ومعنَى {بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} أي: مُهْلِكُهَا من الحزنِ عليهم؛ ولذا قال له هنا: {وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)} [الأنعام: آية 107].
{وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)} [الأنعام: آية 108].
{وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} لَمَّا