وصفاتِه، مَنِ اسْمُهُ الكريمُ واللطيفُ وغيرُ ذلك من أسماءِ الكرمِ والجودِ، وقَدَّرَ في أَزَلِهِ أن يخلقَ آخَرِينَ مَطْبُوعِينَ على القذارةِ والنجاسةِ؛ ليظهرَ فيهم بعضُ أسرارِ أسمائِه كالقهارِ، يظهرُ فيهم قَهْرُهُ وجبروتُه وعظمتُه وشدةُ عقابِه؛ ليجتمعَ للناسِ الخوفُ والطمعُ؛ لأنه لو كان خَوْفٌ لا طَمَعَ معه فقد يكونُ هنالك بُغْضٌ، وإن كان طَمَعٌ لا خوفَ معه فقد يكونُ هنالك أَمْنٌ يحملُ على الدَّلاَلِ وسوءِ الأدبِ، فَخَلَقَ بعضَ الخلقِ وقَدَّرَ لهم الشقاءَ الأَزَلِيَّ، لِمَا جَبَلَهُمْ عليه من الْخُبْثِ، ليظهرَ فيهم بعضُ أسرارِ أسمائِه وصفاتِه مِنْ قَهْرِهِ وَمُلْكِهِ وقوةِ بطشِه وإنصافِه، وقَدَّر لقومٍ آخَرِينَ الْهُدَى لِيُظْهِرَ فيهم بعضَ أسرارِ أسمائِه وصفاتِه من رحمتِه وفضلِه ولطفِه وكرمِه. ولكنَّ قدرةَ الله وإرادتَه صَرَفَتْ قُدرَ الخلقِ وإراداتِهم إلى ما شاءَه اللَّهُ وقَدَّره في أَزَلِهِ، فَأَتَوْهُ طَائِعِينَ. فَاللَّهُ (جل وعلا) بقدرتِه وإرادتِه يصرفُ قدرةَ العبدِ وإرادتَه إلى ما سَبَقَ به الكتابُ في علمِه الأَزَلِيِّ، فَيَأْتِيهِ طَائِعًا: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: آية 30].
هذا هو أصلُ هذه المسألةِ. فَاللَّهُ يشاءُ وَيُقَدِّرُ ويصرفُ قُدَرَ العبادِ وإراداتِهم إلى ما سَبَقَ به العلمُ الأزليُّ، فيأتوه طَائِعِينَ. وله المثلُ الأَعْلَى، والحكمةُ البالغةُ في كُلِّ مَا يُقَدِّرُ.
ولاَ يَخْفَى أن الْجَبْرِيِّينَ الذين يقولونَ: إن العبدَ لا فِعْلَ له، وإنما هذا فعلُ اللَّهِ!! لو جئتَ إلى جَبْرِيٍّ وَفَقَأْتَ عينَه، أو قَتَلَتْ وَلَدَهُ، أو أتلفتَ مالَه، وقلتَ له: أنا مسكينٌ لاَ فِعْلَ لِي؛ لأَنَّ هذا فعلُ اللَّهِ!! لا يقبلُ مِنْكَ هذا العذرَ، ويقولُ: أنتَ الذي فعلتَ وفعلتَ. وينتقمُ منكَ غايةَ الانتقامِ، وَلَكِنَّهُ بالنسبةِ إلى التكاليفِ يتعللُ هذا التعللَ الباطلَ. فَكُلُّ شيءٍ في الكونِ لاَ يقعُ في العالمِ تَحْرِيكُهُ