فهم يريدونَ التقربَ لِلَّهِ، بِأَنْ يَزْعُمُوا أن الخسائسَ كالسرقةِ والزنا والشركِ أنها بمشيئةِ العبادِ لا بمشيئةِ اللَّهِ، زاعمينَ أن الله أنزهُ وأعظمُ وَأَجَلُّ من أن تكونَ هذه الرذائلُ بمشيئتِه.
وهذه الشبهةُ - التي هي شبهةُ الجبرِ والقدرِ - هي أعظمُ الشُّبَهِ التي في دِينِ الإسلامِ، وَكَثِيرٌ من ضعفاءِ العلمِ يصعبُ عليهم أن يَنْفَكُّوا عنها وَيَتَخَلَّصُوا منها، ونحنُ في هذه الدروسِ دائمًا نُبَيِّنُ كيفيةَ رَدِّ هذه الشُّبَهِ (?)، وخلوصُ مذهبِ أهلِ السنةِ والجماعةِ بَيْنَ مذهبِ القدريةِ والجبريةِ كخلوصِ اللبنِ مِنْ بَيْنِ الفرثِ والدمِ سَائِغًا خَالِصًا لِلشَّارِبِينَ.
ونقولُ مثلاً: لو أَرَادَ سُنِّيٌّ أن يُنَاظِرَ جَبْرِيًّا وقدريًّا متمسِّكينَ بمذهبِ القدريةِ والجبريةِ القدريِ [يزعم] (?) أن أفعالَ العبدِ القبيحةَ بمشيئةِ العبدِ لا بمشيئةِ اللَّهِ، ويزعمُ الجبريُّ أن الأفعالَ كُلَّهَا مِنَ اللَّهِ، فليسَ للعبدِ فِعْلٌ. فلو قَالَ جَبْرِيٌّ مثلاً: هذه الأفعالُ الصادرةُ من الإنسانِ؛ كالإشراكِ والزنا والسرقةِ وما جَرَى مَجْرَى ذلك من الرذائلِ، هي مكتوبةٌ عليه قبلَ أن يولدَ، قَدَّرَهَا اللَّهُ وَكَتَبَهَا في الأزلِ، وما قَدَّرَهُ اللَّهُ وكتبَه لا يمكنُ أن يتغيرَ!! يقولُ الْجَبْرِيُّ مثلاً: ما سَبَقَ في علمِ اللَّهِ من أن المشركَ يشركُ، وأن الزانيَ يَزْنِي، وأن السارقَ يسرقُ سَبَقَ به العلمُ الأَزَلِيُّ، فلا يمكنُ أن يتغيرَ؛ لأن ما سَبَقَ في علمِ اللَّهِ لا يمكنُ أن يتغيرَ!! فَإِذَنْ يقولُ هذا الجاهلُ: إنه مجبورٌ ما دامَ الفعلُ كُتِبَ عليه قبلَ أن يولدَ، وَجَفَّتِ الأقلامُ وَطُوِيَتِ الصحفُ، فالواقعُ واقعٌ لاَ محالةَ، فيقولُ: هو مجبورٌ!!