فيجيبُ السُّنِّيُّ مثلاً فيقولُ: كُلُّ الأسبابِ التي هَدَى اللَّهُ بها المهتدين أَعْطَاكَهَا، فالأبصارُ التي أَبْصَرُوا بها آياتِ الله أَعْطَاكَ بَصَرًا مثلَها، والأسماعُ التي سَمِعُوا بِهَا آياتِ اللَّهِ فاهتدوا أَعْطَاكَ سَمْعًا مثلَها، والقلوبُ التي فَهِمُوا بها عِظَمَ اللَّهِ وأدلتَه وبراهينَه فَاهْتَدَوْا أَعْطَاكَ عَقْلاً مثلَها، والرسلُ التي نَصَحَتْهُمْ وَبَيَّنَتْ لهم، وَاهْتَدَوْا بهديها أَرْسَلَهَا إليكَ كما أَرْسَلَهَا لهم، فجميعُ الأسبابِ التي اهْتَدَى بها المهتدونَ أَعْطَاكَهَا، ولم يَبْقَ فرقٌ بَيْنَكَ أيها الضالُّ وبينَ الْمُهْتَدِي إلا أَنَّ اللَّهَ تَفَضَّلَ عليه بتوفيقِه، ولم يَتَفَضَّلْ عليكَ بتوفيقِه،

وَيُوَضِّحُ هذا المقامَ: مناظرةُ أَبِي إسحاقَ الإسفرائينيِّ وعبدِ الجبارِ الْمُعْتَزِلِيِّ (?). وذلك أن عبدَ الجبارِ جاءَ إلى أبي إسحاقَ مُتَقَرِّبًا بمذهبِ القدريةِ فقال: سبحانَ مَنْ تَنَزَّهَ عَنِ الفحشاءِ!! يعنِي أن السرقةَ والزنا والإشراكَ لَيْسَتْ بمشيئتِه، وأنه يتنزهُ عن أن يشاءَ هذا.

فقال أبو إسحاقَ: كلمةُ حَقٍّ أُرِيدَ بها بَاطِلٌ!! ثم قال: سبحانَ مَنْ لاَ يَقَعُ في مُلْكِهِ إِلاَّ ما يَشَاءُ.

فقال عبدُ الجبارِ: أَتُرَاهُ يشاؤُه وَيُعَاقِبُنِي عليه؟

فقال أبو إسحاقَ: أَتُرَاكَ تشاؤُه جَبْرًا عليه، أأنتَ الربُّ وهو العبدُ؟

فقال عبدُ الجبارِ: أرأيتَ إن دَعَانِي إلى الْهُدَى وَسَدِّ البابِ دُونِي، دَعَانِي ولم يُسَهِّلْ لِي طريقَ الخروجِ، تراه أَحْسَنَ إِلَيَّ أَمْ أَسَاءَ؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015