{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)} [الأنعام: الآيات 107 - 110].
يقول اللَّهُ جل وعلا: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (107)} [الأنعام: آية 107] لَمَّا قال اللَّهُ (جل وعلا) لِنَبِيِّهِ: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)} [الأنعام: آية 106] لَمَّا أمرَه بالإعراضِ عن المشركين بَيَّنَ أَنَّ إشراكَهم بِاللَّهِ واقعٌ بمشيئةِ اللَّهِ (جل وعلا)، وَأَتْبَعَهُ بقولِه: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} قد تقررَ في فَنِّ الْمَعَانِي: أن فعلَ المشيئةِ إذا رُبِطَ بأداةِ شرطِ يُحْذَفُ مفعولُه دائمًا (?)، فمفعولُ المشيئةِ هنا مَحْذُوفٌ (?)، وتقديرُه: ولو شاءَ اللَّهُ عَدَمَ إشراكِهم ما أَشْرَكُوا.
وهذه الآيةُ الكريمةُ تُبَيِّنُ أنه لا يقعُ شيءٌ إلا بمشيئةِ اللَّهِ، وأنه لو شَاءَ عدمَ إشراكِ الكفارِ لم يُشْرِكُوا. وقد دَلَّتْ على هذا آيَاتٌ كثيرةٌ كقولِه: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [الأنعام: آية 35] {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: آية 13] وهذه الآياتُ تَرُدُّ على الْقَدَرِيَّةِ الزاعمينِ أن الكفرَ والمعاصِيَ بمشيئةِ العبدِ لا بمشيئةِ اللَّهِ، فمذهبُهم باطلٌ، فَرُّوا مِنْ شَيْءٌ فَوَقَعُوا فيما هو أشنعُ وأكبرُ منه،