هَبْ أن السنبلةَ وُجِدَتْ، مَنْ هو الذي يَقْدِرُ أن يخرجَ حَبَّهَا وَيُنَمِّيَهُ، وينقلَه من طَورٍ إلى طَورٍ حتى يصيرَ صَالِحًا مُدْرِكًا نافعًا للأَكْلِ؟

كما يُنَبِّهُنَا اللَّهُ على هذا في هذه الآيةِ التي نَحْنُ عندَها في قولِه: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)} [الأنعام: آية 99]، انْظُرُوا الثمرَ عندما يَبْدُو، وَانْظُرُوهُ عندما يُدْرِكُ نَاضِجًا صَالِحًا للأكلِ، تعلمونَ أن الذي نَقَلَهُ منذ تلك الحالِ الأُولَى إلى حالةِ الانتفاعِ هذه، أنه رَبٌّ قادرٌ عظيمٌ، هو الخالقُ وحدَه، المعبودُ وحدَه (جل وعلا)؛ وَلِذَا قال جل وعلا: {وَهُوَ الَّذِيَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: آية 99]، الباءُ: سَبَبِيَّةٌ، واللَّهُ (جل وعلا) يُسَبِّبُ ما شاء على ما شاءَ من الأسبابِ، ولو شاءَ أن تنخرمَ الأسبابُ لاَنْخَرَمَتْ، فهو (جل وعلا) يفعلُ كيفَ يشاءُ، ويسببُ ما شَاءَ مِنَ المُسَبَّباتِ، على ما شاء من الأسبابِ، ويبينُ لنا في كتابِه غرائبَ وعجائبَ وَعِبَرًا نعلمُ بها أنه لاَ تأثيرَ إلا لِلَّهِ وحدَه، وأنه لو شاءَ أن لا تؤثرَ الأسبابُ لَمْ تُؤَثِّرْ، ومن ذلك ما قَصَّ علينا في سورةِ الأنبياءِ وغيرِها من سورِ القرآنِ أنه أُلْقِيَ إبراهيمُ في نارِ نمرودَ وقومِه، أُلْقِيَ إبراهيمُ في نارٍ تَضْطَرِمُ، تأكلُ الحطبَ حتى تتركَه رَمَادًا، أُلْقِيَ فيها إبراهيمُ والحطبُ، فَأَكَلَتِ الحطبُ بحرارتِها فَتَرَكَتْهُ رَمَادًا، وصارت بَرْدًا على إبراهيمَ. ولو لم يَقُلِ اللَّهُ: {كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا} [الأنبياء: آية 69]، لو لم يَقُلْ: {وَسَلاَمًا} لأَهَلْكَهُ بردُها، والنارُ لا عَقْلَ لها ولا إدراكَ تحرقُ به الحطبَ وتتركُ إبراهيمَ. وذلك يُبَيِّنُ أن الفاعلَ هو الخالقُ (جل وعلا)، وأنه يسببُ ما شاءَ على ما شاءَ مِنَ الْمُسَبَّباتِ. ويوضحُ لنا هذا: أن السببَ تَارَةً يكونُ مُنَاقِضًا للمُسبَّبِ وينتجُ الشيء من نقيضِه، كما قَدَّمْنَا في هذه الدروسِ في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015