يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ
فَلاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ. وهو معنَى قولِه: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [مريم: آية 39].
بهذا تَعْرِفُونَ حقيقةَ معنَى (الآخرةِ)؛ لأَنَّ الأطوارَ قَبْلَهَا كُلَّهَا ينتقلُ من طورٍ إلى طورٍ، بعدَ الترابِ نطفةً، وبعدَ النطفةِ علقةً، وبعدَ الدنيا قبرٌ، وبعدَ القبرِ بَعْثٌ. أَمَّا فِي الآخرةِ فالدارُ التي يَحِلُّهَا الإنسانُ ليسَ بعدَها انتقالٌ آخَرُ إلى شيءٍ، ومن هنا قِيلَ لَهَا (الآخرةُ)؛ لأَنَّهَا ليس بعدَها شيءٌ، والمنزلُ في ذلك إِمَّا غرفة مِنْ غُرَفِ الجنةِ، وإما سِجْنٌ مِنْ سُجُونِ النارِ.
{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [الأنعام: آية 92] بهذا القرآنِ العظيمِ. كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ باليومِ الآخِرِ يُؤْمِنُ بهذا القرآنِ العظيمِ، لوضوحِ أَدِلَّتِهِ. أَمَّا الذي لاَ يُؤْمِنُ باليومِ الآخِرِ فَهُوَ لاَ يخافُ مِنْ عِقَابٍ، وَلاَ يَرْجُو ثَوَابًا، فَلاَ يُؤْمِنُ بِشَيْءٍ.
ثم خَصَّ الصَّلاَةَ لِعِظَمِ مَكَانَتِهَا (?)، قال: {وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ}.
يقولُ اللَّهُ جل وعلا: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: آية 93].
نَزَلَتْ هذه الآيةُ الكريمةُ من سورةِ الأنعامِ في مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ،