وكذابِ صنعاءَ: الأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ (?)، كُلٌّ مِنْهُمَا ادَّعَى أنه نَبِيٌّ كَذِبًا وافتراءً على اللَّهِ،
فَبَيَّنَ اللَّهُ (جل وعلا) أنه لاَ أحدَ أظلمَ مِمَّنْ يَفْتَرِي الكذبَ على اللَّهِ، أو يَدَّعِي أن اللَّهَ أَوْحَى إليه وهو لَمْ يُوحَ إليه.
وقولُه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} الاستفهامُ إنكاريٌّ. والمعنَى: لاَ أحدَ أظلمُ {مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ}.
وقد بَيَّنَّا في هذه الدروسِ مِرَارًا: أَنَّ مثلَ هذه الآيةِ فيه سؤالٌ معروفٌ؛ لأَنَّ مَعْنَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ} {فَمَنْ أَظْلَمُ} معناهُ: لاَ أحدَ أظلمُ. وإذا كانَ المعنَى في قولِه هنا: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى} لاَ أحدَ أظلمُ مِمَّنِ افْتَرَى على اللَّهِ كَذِبًا. فَإِنَّ هَذَا تُشْكِلُ عليه آيَاتٌ أُخَرُ كقولِه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: آية 114] {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا} [الكهف: آية 57] إِذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى: لاَ أحدَ أظلمُ مِمَّنِ افْتَرَى، لاَ أَحَدَ أظلمُ مِمَّنْ مَنَعَ مساجدَ اللَّهِ، لاَ أحدَ أظلمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بآياتِ رَبِّهِ فأعرضَ عنها. فَيَنْشَأُ من هذا سؤالٌ، فيقولُ طالبُ العلمِ: كيفَ يقولُ: لاَ أحدَ أظلمُ من هذا، ثُمَّ يقولُ في موضعٍ