الذي له خَطْبٌ وشأنٌ (?)، فالنبأُ ليس كُلُّ خبرٍ يُسَمَّى نبأً، وإنما النبأُ الخبرُ الذي له أهميةٌ، وله خَطْبٌ وشأنٌ، فلو قلتَ: «جاءنا نبأُ الجيوشِ، وجاءنا نبأُ ما وَقَعَ من الزلازلِ والبلايا، أو كذا من الأمورِ العِظَامِ»، لكان ذلك من لغةِ العربِ، ولو قلتَ: «جاءنا نبأٌ عن حمارِ الحجامِ» لَمَا كان هذا من كلامِ العربِ، لأَنَّ هذا لا أهميةَ له، أي: خبر {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}.
{قَوْمِ نُوحٍ} لم يُذكر في القرآنِ اسمُ قومِ نوحٍ إلاَّ بقولِه: {قَوْمِ نُوحٍ} وقد بَيَّنَ اللَّهُ قصةَ قومِ نوحٍ وَشَرَحَهَا في آياتٍ كثيرةٍ من كتابِه، ذَكَرَ طغيانَهم وتمردَهم، وشدةَ عصيانِهم لنبيِّ اللَّهِ، وطولَ مكثِه فيهم وَهُمْ لاَ يزدادونَ إلا عُتُوًّا، فأهلكهم اللَّهُ هلاكًا مستأصِلاً، وهذا ذَكَرَهُ اللَّهُ في آياتٍ كثيرةٍ مشهورةٍ، كقولِه: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} [الفرقان: الآية 37]. وكقولِه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)} [العنكبوت: الآية 14]. وكقولِه: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)} [القمر: الآيات 10 _12]. والآيات بمثلِ ذلك كثيرةٌ، وقد بَيَّنَ تعالى في سورةِ نوحٍ شدةَ عنادِ قومِه، وشدةَ معالجتِه لهم وصبرِه عليهم في قولِه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)} [نوح: الآيات 5 - 7].
حتى دعا عليهم نبيُّ اللَّهِ نوحٌ،