القبرِ وقد ضَيَّعَ رأسَ المالِ، وَمَنْ ضَيَّعَ رأسَ المالِ فالتجارةُ أضيعُ، وهذا هو الخاسرُ الخسرانَ المبينَ تَمَامًا؛ لأن الآخرةَ دارٌ لا تصلحُ للفقراءِ ولا للمفاليسِ من الحسناتِ؛ لأنها دارٌ لا إرفاقَ فيها ولا خُلَّةَ ولا شفاعةَ ولا بيعَ، ليس للإنسانِ فيها إلاَّ ما قَدَّمَ، فالمضيعُ لرأسِ هذا المالِ - أيامَ الدنيا في إمكانِ الفرصةِ - هو الخاسرُ كُلَّ الخسرانِ - والعياذُ بالله - ولا سيما الذي يُضَيِّعُهَا ويفنيها في معاصِي اللَّهِ (جل وعلا) وفي محادَّة خالقِه، ويستعملُ نِعَمَهُ في ما يُسْخِطُهُ ويغضبه (جل وعلا).
هذا أحدُ الْمَثَلَيْنِ اللَّذَيْنِ ضَرَبَهُمَا العلماءُ للخسرانِ المذكورِ بالقرآنِ.
الثاني: قال بعضُ العلماءِ: إنه جاء حديثٌ (?) عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم [أن لكلِّ إنسانٍ] (?) منزلاً بالجنةِ ومنزلاً بالنارِ، فإذا دخلَ أهلُ الجنةِ الجنةَ وأهلُ النارِ النارَ أَطْلَعَ أهلَ الجنةِ على مساكنِهم في النارِ لو كانوا كَفَرُوا وَعَصَوُا اللَّهَ ليزدادَ بذلك سرورُهم وغبطتُهم، وعند ذلك يقولُ الواحدُ منهم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: الآية 43]. ويطلع الكفارُ على مساكنِهم في الجنةِ لو أنهم أَطَاعُوا اللَّهَ وآمنوا بالله ورسولِه لتزدادَ ندامتُهم وحسرتُهم - والعياذُ بِاللَّهِ - وبعدَ ذلك تصيرُ منازلُ أهلِ الجنةِ في النارِ لأهلِ النارِ، ومنازلُ أهلِ النارِ في الجنةِ لأهلِ الجنةِ، وَمَنِ اسْتُبْدِلَ منزلُه في الجنةِ بمنزلِ غيرِه في النارِ فصفقتُه خاسرةٌ كما ترى، قال هذا بعضُ العلماءِ. وهذا معنَى قولِه: {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)} [التوبة: الآية 69].