-سورةِ براءة - في قولِه: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} إلى قولِه: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)} [التوبة: الآية111] وسماه تجارةً في قولِه: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ... } الآية [الصف: الآيتان10، 11] {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّنْ تَبُورَ (29)} [فاطر: الآية 29]، وَسَمَّاهُ قَرْضًا في آياتٍ كثيرةٍ {مَّنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: الآية 245] ونحوها من الآيات.
فإذا كان الإنسانُ عاقلاً لَبِقًا كَيِّسًا، يفهمُ عن اللَّهِ استعملَ رأسَ هذا المالِ وَحَرَّكَهُ تحريكًا سديدًا بانتظامٍ على ضوءِ ما جاء به الرسولُ صلى الله عليه وسلم فإذا اتَّجَرَ مع اللَّهِ في ساعاتِ عمرِه وأيامِه ولياليه ودقائقِه وثوانيه، نَظَرَ في الأوقاتِ التي تتوجَّه إليه فيها أوامرُ من السماءِ من رَبِّ العالمينَ فاشترى نفسَه وما عند اللَّهِ من الجزاءِ بامتثالِ تلك الأوامرِ وتلك النواهِي، وَنَظَرَ في الأوقاتِ التي لم تَجِبْ فيها أوامرُ معينةٌ فاستكثرَ من الخيرِ بحسبِ استطاعتِه، وَكَفَّ أَذَاهُ وشرَّه، وَكَفَّ جوارحَه عن معاصِي اللَّهِ، فإذا حَرَّكَ رأسَ هذا المالِ وهي ساعاتُ هذا العمرِ وأيامُه تحريكًا سديدًا فيما يُرْضِي اللَّهَ ربح من رأسِ هذا المالِ مجاورةَ رَبٍّ غيرِ غضبانَ، والحورَ والجنان، ونعيمًا لا ينفدُ، ومجاورةَ ربٍّ غيرِ غضبانَ، والنظرَ إلى وجهِ اللَّهِ الكريمِ، فهذا هو الرابحُ حقًّا، فهي التجارةُ الرابحةُ، وإذا كان المسكينُ سَفِيهًا لا يدري ما قيمةُ رأسِ هذا المالِ الذي عندَه كالجاهلِ الذي يجدُ الياقوتةَ فَيُلْقِيهَا في المزبلةِ لاَ يُلْقِي لَهَا بالاً، وَضَيَّعَ رأسَ هذا المالِ، وَضَيَّعَ أوقاتَه وقيل وقال، وألعاب وملاهي، وربما كان في معصيةِ اللَّهِ، حتى انتهى رأسُ المالِ والساعاتُ المقررةُ له، وَفَاتَتِ الفرصةُ، وَضَاعَ الأوانُ، جاء الندمُ حيث لا ينفعُ الندمُ، وجُرَّ إلى