فيها أنه سيفعلُ ذلك في المستقبلِ، فإذًا لم يتعلق اسمُ الفاعلِ بأمرٍ ماضٍ كما لا يَخْفَى. وهذا معنَى قولِه: {إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ}.
ثم قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة: آية 65] نزلت هذه الآيةُ في غزوةِ تبوكَ بإطباقِ المفسرينَ في قومٍ استهزؤوا بالله وآياتِه ورسولِه. قال بعضُ العلماءِ: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يسيرُ في غزوةِ تبوكَ وأمامُه ركبٌ من المنافقينَ، فكان بعضُهم يقولُ لبعضٍ: «يَظُنُّ هذا أنه يفتحُ قصورَ الشامِ ويقدرُ على بلادِ بنِي الأصفرِ، هيهاتَ هيهاتَ" فَأَطْلَعَ اللَّهُ نبيَّه على ذلك فاستوقفهم فسألَهم: «لِمَ قُلْتُمْ هَذَا؟» قالوا: كنا نخوضُ ونلعبُ، لم نقل هذا عن طريقِ الجدِّ، وإنما قلناه عن طريقِ الهزلِ واللعبِ. فأجابهم اللَّهُ: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم} (?) [التوبة: آية 65].
وذكر بعضُ العلماءِ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ضَلَّتْ راحلتُه في غزوةِ تبوكَ فقال جماعةٌ من المنافقينَ: انْظُرُوا إلى هذا الرجلِ يَدَّعِي أنه يعلمُ علمَ الغيبِ، وأنه ينزلُ عليه الوحيُ وهو لا يدرِي أينَ ذَهَبَتْ ناقتُه!! وأن جبريلَ أتاه فأخبرَه بموضعِها، أَمْسَكَتْهَا شجرةُ كذا بِزِمَامِهَا، فناداهم وقال: «لِمَ قُلْتُمْ مَا قُلْتُمْ؟» قالوا: كنا نخوضُ ونلعبُ (?).
وعلى كُلِّ حالٍ فلا خلافَ بين العلماءِ أن هذه الآيةَ من سورةِ براءة نَزَلَتْ في غزوةِ تبوكَ في قومٍ استهزؤوا بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم واستَخَفُّوا به، فسألهم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأجابوا معتذرينَ اعتذارًا كاذبًا قالوا: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ} في الحديثِ {وَنَلْعَبُ} نهزأُ ونضحكُ فيما بينَنا لا نقولُ ذلك عن جِدٍّ وَقَصْدٍ. وهذا معنَى قولِه: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}.