العلماءِ: {عَلَيْهِمْ} أي: على المنافقينَ؛ لأنها إذا نزلت في شأنهم مُبَيِّنَةً فضائحَهم وما تنطوي عليه أسرارُهم فكأنها نُزلت عليهم {قُلِ} لهم يا نَبِيَّ الله {اسْتَهْزِئُوا} صيغةُ الأمرِ هنا للتهديدِ، يعني: دُومُوا على ما أنتم عليه من الاستهزاءِ بآياتِ اللَّهِ وبالله وبرسولِه فَسَتَلْقَوْنَ جزاءَ ذلك {إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ} أي: مظهرٌ لنبيه بما يُوحي إليه ما أنتم تُسِرُّونَهُ وَتُبْطِنُونَهُ، ذلك الذي تحذرون أن يفضحَكم الله فيه، إن الله مخرجُه ومظهرُه، وقد أَطْلَعَ اللَّهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم على حقائقِهم بعدَ أن لم يكن يعلمُها؛ لأن قولَه هنا: {إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ} يدلُّ على أن النبيَّ في هذا الوقتِ لم يكن يعلمُه كما يأتِي في قولِه: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: آية 101] وقد بَيَّنَ اللَّهُ لنبيِّه المنافقينَ، أشار له إلى معرفتَهم بقولِه: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} ثم قال: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: الآيتان 29، 30] وقد أَطْلَعَ اللَّهُ نبيَّه عليهم في غزوةِ تبوكَ، وأطلع النبيُّ حذيفةَ بنَ اليمانِ على جماعةٍ منهم بأسمائِها. وهذا معنَى قولِه: {قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ} [التوبة: آية 64].
قولُه: {مَّا} في محلِّ المفعولِ به لاسمِ الفاعلِ الذي هو (مخرج) والسؤالُ الذي يتبادرُ في هذا جوابُه ظاهرٌ، لأن (مخرج) هنا قد وقع وتعلق بالماضِي، والمقررُ في علمِ العربيةِ أن اسمَ الفاعلِ إذا كان نكرةً لا يعملُ إلا بمسوِّغ، ولا يعملُ في الماضِي، وهنا كأنه عمل في الماضي. والجوابُ واضحٌ؛ لأن هذه الآيةَ تَحْكِي ما كان في ذلك الوقتِ مستقبلاً؛ لأن وقتَ نزولِ هذه الآيةِ يحكي اللَّهُ (جلَّ وعلا)