فصرَّح (جلَّ وعلا) بأنهم لو رُدُّوا إلى الدنيا بعد معاينةِ النارِ والعذابِ وبلايا القيامةِ لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عنه.
وهو تصريحٌ بأن خبثَهم الطبيعيَّ منطبعٌ فيهم دائمٌ لا يزولُ، فلذلك كان جزاؤه دائمًا لا يزولُ. والجزاءُ بحسبِ العملِ؛ ولذا قال تعالى: {جَزَاءً وِفَاقًا (26)} [النبأ: آية 26] موافقًا لأعمالِهم فخبثُهم لا يزولُ وجزاؤهم لاَ يزولُ، وقد قال تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: آية 23] فـ (خيرًا) نكرةٌ في (?) سياقِ الشرطِ وهي تعمُّ، فعرفنا أن اللَّهَ لم يعلم فيهم خيرًا ما في وقتٍ ما كائنًا ما كان، وَلَمَّا كان الخيرُ منتفٍ عنهم أبدًا والشرُّ ملازمٌ لهم أبدًا، كان جزاؤهم لازمًا أبدًا. وهذا معنَى قولِه: {فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ} [التوبة: آية 63]- والعياذُ بالله - {الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} الهوانُ والخزيُ الكبيرُ. والعظيمُ صفةٌ مشبهةٌ مِنْ عَظُمَ الشيءُ يعظمُ فهو عظيمٌ، وهو معنًى معروفٌ لا خفاءَ به.
قال تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (68)} [التوبة: الآيات 64 - 68].