المعنَى: {لاَبِثِينَ فِيهَا} أي: في النار {أَحْقَابًا} في حالِ كونِهم في تلك الأحقابِ {لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا (24) إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25)} [النبأ: الآيتانِ: 24، 25] فإذا انقضت أحقابُ] الحميمِ والغسَّاق، عُذِّبُوا بأنواعٍ أُخَرَ من أنواعِ العذابِ لا نهايةَ لها ولا يعلمُها إلا اللَّهُ. وإنما قُلْنَا: إن هذه الأحقابَ، مختصةٌ بأحقابِ الحميمِ والغساقِ لأن اللَّهَ بَيَّنَ ذلك وَصَرَّحَ به في سورةِ (ص) وخيرُ ما يُفَسَّرُ به القرآنُ القرآنُ؛ لأن الله يقول في (ص): {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)} [ص: الآيات 55 - 58] فَبَيَّنَ أن هنالك أصنافًا أُخَرَ وأشكالاً من أنواعِ العذابِ غير الحميمِ والغسَّاقِ. فَبَيَّنَتْ آيةُ (ص) هذه آيةَ النبأ، بيانًا واضحًا، وخيرُ ما يُفَسَّرُ به القرآنُ القرآنُ.

وذكرنا (?) أن بعضَ الملحدين يقولُ: أين الإنصافُ والحكمةُ في أن تكونَ أيامُ المعصيةِ في دارِ الدنيا وأيامُ الكفرِ مدةً محدودةً والجزاءُ في مدةٍ لاَ تنقضي، فأين العدلُ والميزانُ، في عملٍ في مدةٍ معينةٍ مع جزاءٍ في مُدَدٍ لاَ تنقضي ولا تنتهي؟!

والجوابُ عن هذا: أن خبثَ الكافرِ الذي عُذِّبَ بسببِه هو باقٍ دائمٌ لا يزولُ في جميعِ الْمُدَدِ، فكان العذابُ دائمًا لا يزولُ؛ لأن سببَه باقٍ لا يزولُ، والدليلُ على أن خبثَ الكفارِ باقٍ لا يزولُ أبدًا فكان جزاؤه دائمًا لا يزول أبدًا لأنهم لَمَّا رأوا النارَ وعاينوا الحقائقَ يومَ القيامةِ وَنَدِمُوا على تكذيبِ الرسلِ فتمنوا الردَّ إلى الدنيا ليتوبوا {فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام: آية 27] قال اللَّهُ فيهم: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: آية 28]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015