للعلماءِ أَوْجُهٌ (?) متعددةٌ أصحُّها وأقربُها للصوابِ أنها هي (أن) الأُولَى كُرِّرَتْ لَمَّا طال الفصلُ بينَهما، وتكريرُ (أن) إذا طالَ الفصلُ أسلوبٌ عربيٌّ معروفٌ كثيرٌ في كلامِ العربِ، ومنه هذه الآيةُ على الصحيحِ: {فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ}.
{خَالِدًا فِيهَا} الخلودُ معناه: المكثُ الطويلُ، والمرادُ بخلودِ أهلِ النارِ خلودٌ لاَ انقطاعَ فيه البتةَ؛ لأن اللَّهَ يقولُ: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدنَهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء: آية 97] فليس للنارِ خبوةٌ نهائيةٌ ليس بعدَها زيادةُ سعيرٍ، وقد قَدَّمْنَا في هذه الدروسِ (?) أن جماعةً من العلماءِ زعموا أن النارَ تَفْنَى، وأنهم يخرجونَ منها، واستدلُّوا بقولِه: {لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)} [النبأ: آية 23] وبقولِه: {إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} في سورة هود [هود: آية 107] وبقوله: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ} [الأنعام: آية 128] وَبَيَّنَّا مرارًا أن التحقيقَ في خلودُ أهل الجنةِ وخلودُ أهلِ النارِ أنه خلودٌ أبديٌّ لاَ انقطاعَ له أبدًا لا يزولُ ولا يحولُ فهو باقٍ بقاءً سرمديًّا لا انقطاعَ له، أما خلودُ أهلِ الجنةِ فقد صَرَّحَ الله به في آياتٍ من كتابِه كقولِه: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: آية 108] {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ (54)} [ص: آية 54] وقولُه (جلَّ وعلا): {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: آية 96] إلى غيرِ ذلك من الآياتِ، وأما خلودُ أهلِ النارِ فجاءت فيه آياتٌ كثيرةٌ كقولِه: {لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا} [فاطر: آية 36] {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ