رحمةً لجميعِ الخلائقِ، إلا أن بعضَهم قَبِلَ من اللَّهِ التفضلَ بتلك الرحمةِ فَحَازَهَا، فَخَصَّ في قولِه: {وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} وبعضُهم لم يَقْبَلْهَا ولم يَحُزْهَا، ولا يُنَافِي ذلك أن اللَّهَ أعطاه تلك الرحمةَ إلا أنه لم يَقْبَلْهَا ولم يَحُزْهَا. وَضَرَبَ العلماءُ لهذا مثلاً قالوا: لو أن سلطانَ البلدِ مثلاً - وَلِلَّهِ المثلُ الأَعْلَى - أَرْسَلَ لجميعِ سكانِ البلدِ إنعامًا كثيرًا كأن أَجْرَى لهم المياهَ تأتيهم، وأجرى عليهم الأرزاقَ وَالنِّعَمَ، وبعضُهم امتنعَ أن يأخذَ، وبعضُهم أَخَذَ فلا ينافِي أنه أَنْعَمَ على الجميعِ. فَاللَّهُ أَرْسَلَهُ رحمةً للعالمينَ، بعضُ الناسِ قَبِلَ من اللَّهِ فضلَه وبعضُهم لم يَقْبَلْ فضلَه، ولاَ ينافِي ذلك أنه تفضلَ عليه ببعثِه (صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه).
وأما على قراءةِ حمزةَ الذي قَرَأَ: {ورحمةٍ} بالخفضِ - هو حمزةُ لا الكسائي (?) - أما على قراءةِ حمزةَ {ورحمةٍ للذين آمنوا} هو أُذُنُ خيرٍ ورحمةٍ. معطوفٌ على الخيرِ؛ لأَنَّ اللَّهَ (جل وعلا) جَعَلَ فيه الخيرَ والرحمةَ فإذا كان سَامِعًا من أحدٍ فهو سماعٌ لا يقودُ إلا إلى خيرٍ من خيرٍ ورحمةٍ لا سماع شَرٍّ. ولا يَخْفَى ما في قراءةِ حمزةَ من عدمِ ظهورِ المعنَى، وظهورُ المعنَى على قراءةِ الجمهورِ. وهذا معنَى قولِه: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ}.
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ} بالاستطالةِ في عرضِه بكلامِ السوءِ {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} من الله (جلَّ وعلا)، وقد بَيَّنَ في الأحزابِ أن ذلك العذابَ مصحوبٌ باللعنةِ أيضًا في قولِه: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ