معنَى قولِه: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} يُصَدِّقُ بِاللَّهِ (جلَّ وعلا) التصديقَ الكاملَ من الجهاتِ الثلاثِ، يؤمنُ بالله تصديقًا صحيحًا من قلبِه ولسانِه وجوارحِه (صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه) {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} يصدقُ المؤمنينَ العدولَ الأتقياءَ إذا جاؤوه بمقالةٍ، أما الكفَرَةُ الْكَذَبَةُ أمثالُكم فلا يُصَدِّقُهُمْ.

وجرت العادةُ باستقراءِ القرآنِ أن اللَّهَ تبارك وتعالى إذا كان الإيمانُ بِاللَّهِ عَدَّاهُ بالباءِ، كَأَنْ يقولَ: {ءَامَنُوا بِاللَّهِ} [الحجرات: آية 15، النساء: آية 136] {يُؤمِنُونَ باللَّهِ} [آل عمران: آية 114] وإذا كان الإيمانُ معناه تصديقَ مخلوقٍ فإنه يُعَدِّيهِ باللامِ دائمًا؛ وَلِذَا قال هنا: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} معناه: ويصدقُ المؤمنينَ. ولا يكادُ هذا التصديقُ المتعلقُ بالآدميينَ يوجدُ في القرآنِ إلا مجرورًا باللامِ، كقولِه: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت: آية 26] {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا} [يوسف: آية 17] وقولِه هنا: {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي: ويصدقُ المؤمنينَ الأتقياءَ في الخيرِ الذي جاءه به، ولكن ليس بأُذُنٍ للكفرةِ الفجرةِ أمثالِكم. فقولُه: {وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ} على قراءةِ الجمهورِ هو أُذُُنُ خيرٍ، وهو أيضًا رحمةٌ للمؤمنينَ، وقد أَرْسَلَهُ اللَّهُ رحمةً للعالمينَ.

وفي هذه الآيةِ سؤالٌ معروفٌ؛ لأن طالبَ العلمِ يقولُ: اللَّهُ قال في آيةِ براءة هذه: {وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا} فَقَيَّدَ كونَه رحمةً للذين آمنوا، وفي سورةِ الأنبياءِ قال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء: آية 107] فلم يُقَيِّدْ كونَه رحمةً بالإيمانِ، بل قال لجميعِ العالمينَ، وهذا وجهُ السؤالِ.

والجوابُ عنه: أن الله (جلَّ وعلا) أَرْسَلَهُ (صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015