وقولُه: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} هذا صِنْفٌ آخَرُ من أصنافِ المنافقينَ؟ لأَنَّ اللَّهَ بَيَّنَ في هذه الآيةِ أصنافَ المنافقينَ، قال: {وَمِنْهُم مَّنْ يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي} [التوبة: آية 49] {وَمِنْهُم مَّنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: آية 58] {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} [التوبة: آية 61] كان في المنافقينَ طائفةٌ يبسطون ألسنتَهم إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالكلامِ السيئِ فيعيبونَه ويقولونَ فيه ما لا ينبغِي، وهذا هو قولُه: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} [التوبة: آية 61] أي: ومن المنافقينَ الطائفةُ الذين يُؤْذُونَ النبيَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم بالاستطالةِ في عَرْضِهِ.
{وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} معنَى هذا أنه إذا قيل لهم: كيف تقدحونَ في نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وتعيبونَه وهو إن علم بذلك فَعَلَ بكم وَفَعَلَ بكم؟ فيقولونَ: لاَ يَهُمُّنَا ذلك، لأنه أُذُنٌ!! العربُ تقولُ: فلان أُذُنٌ. وَأُذْنٌ بالسكونِ لغةٌ فيه، إذا كان يسمعُ مِنْ كُلِّ مَنْ جاءه، فإذا كان الرجلُ كلما جاءَه أحدٌ وأخبرَه سَمِعَ منه وَصَدَّقَهُ قالت العربُ: هذا الرجلُ أُذُنٌ. يعنونَ: هو كلما جاءه أحدٌ بِخَبَرٍ صَدَّقَهُ، ونحنُ إن قيل عنا إننا آذَيْنَاهُ جئناه وكذبنا له وحلفنا له فيصدقنا، فنحن نُؤْذِيهِ ولا تَضُرُّنَا عاقبةُ ذلك؛ لأن مَآلَنَا أن نكذبَ الحديثَ ونحلفَ له عليه، وهو أُذُنٌ يُصَدِّقُ كُلَّ مَنْ جاءه بخبرٍ، فيصدقُنا ولا ينشأُ لنا من ذلك سوءٌ. وهذا معنَى قولِه: {يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} لَمَّا عابوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم آذَوْهُ وعابوه بأنه أُذُنٌ فِي زعمهم الباطلِ - قبَّحهم اللَّهُ - يعنونَ: يسمعُ مِنْ كُلِّ مَنْ حَدَّثَهُ، بَيَّنَ اللَّهُ أنه أُذُنٌ ولكنه أُذُنُ خيرٍ خاصةً، لا أذن شَرٍّ، فإذا جاءه الناسُ بالخيرِ وبالحقِّ صَدَّقَهُمْ في الخيرِ والشرِّ، أما الباطلُ فليس بأذنٍ فيه ولا بمصدقٍ أحدًا فيه، ولا ينفعُكم اعتذارُكم الباطلُ. وهذا معنَى قولِه: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} هو أُذُنُ خيرٍ لكم، أي: يسمعُ - هو سامعٌ - ولكنه سامعُ خيرٍ، سامعٌ مِنْ كُلِّ مَنْ جاءه بخيرٍ وبحقٍّ لاَ من كُلِّ مَنْ جَاءَهُ بِشَرٍّ وبباطلٍ مثلكم فليس بِأُذُنٍ له. وهذا