والحجُّ والعمرةُ في سبيلِ اللَّهِ. هذا ملخصُ عيونِ كلامِ العلماءِ في هذه المصارفِ. وهذا معنَى قولِه: {وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
{وَابْنِ السَّبِيلِ} السبيلُ في لغةِ العربِ (?): الطريقُ. ومعنَى (ابنِ السبيلِ) ولدُ الطريقِ، وإنما قيل للمسافرِ الغريبِ: (ابنُ السبيلِ) لأحدِ أَمْرَيْنِ: قال بعضُ العلماءِ: لأنه مُلاَزِمٌ للطريقِ لذهابِه معها، وَكُلُّ ملازمٍ لشيءٍ تقولُ له العربُ ابنُه، ومنه سَمَّتِ الطيرَ الملازمَ للماءِ (ابنَ الماءِ) كما هو معروفٌ، ومنه قولُ غيلانَ ذي الرمةِ (?):
وَرَدْتُ اعْتِسَافًا وَالثُّرَيَّا كَأَنَّهَا ... عَلَى قِمَّةِ الرَّأْسِ ابْنُ مَاءٍ مُحَلِّقُ
فسماه ابنَ الماءِ لملازمتِه للماءِ.
وقالت طائفةٌ من علماءِ العربيةِ: إنه إنما قيل له (ابنُ السبيلِ) لأن السبيلَ وهي الطريقُ كأنها تَمَخَّضَتْ لنا عنه وَرَمَتْنَا به كما ترمي النفساءُ الناسَ بولدِها، كان غَائِبًا في بطنِ الطريقِ فَرَمَتْنَا به، كما تكونُ النفساءُ ولدُها غائبٌ في بطنِها فترمينا به. وهذا المعنَى يوجدُ في كلامِهم، وقد أَوْضَحَهُ مسلمُ بنُ الوليدِ الأنصاريُّ - وإن كان كلامُه إنما يُذْكَرُ مثالاً لا استدلالاً، لأنه في زمنِ الدولةِ العباسيةِ، ولكنه أَوْضَحَ هذا المعنَى - بقولِه حيث يقولُ يذكرُ رجلاً سَافَرَ في فلاةٍ من الأرضِ شَهْرَيْنِ إلى أميرٍ ليمدحَه قال له (?):
تَمَخَّضَتْ عَنْهُ تِمًّا بَعْدَ مَحْمَلِهِ ... شَهْرَيْنِ بَيْدَاءُ لَمْ تُضْرَبْ وَلَمْ تَلِدِ
أَلْقَتْهُ كَالنَّصْلِ مَعْطُوفًا عَلَى هِمَمٍ ... يَعْمِدْنَ مُنْتَجِعَاتٍ خَيْرَ مُعْتَمَدِ