فَصَرَّحَ بأن هذه الفلاةَ تَخَمَّضَتْ عن هذا وولدته وأنتجته، فكذلك الطريقُ كأنها تتمخضُ عنه وترميهم به. وأكثرُ العلماءِ يقولونَ: سُمِّيَ (ابنَ السبيلِ) لملازمتِه للطريقِ، وابنُ السبيلِ هو الإنسانُ الذي فَنِيَتْ نفقتُه وانقطعَ زادُه وهو متغربٌ عن أوطانِه يُعْطَى من زكاةِ المسلمينَ زَادًا وما يُبَلِّغُهُ إلى وطنِه ولو كان غَنِيًّا في محلِّه، ولا تتبع ذمتَه ولو كان غَنِيًّا في محلِّه؛ لأنه مصرفٌ للزكاةِ في ذلك الوقتِ وإن كان غَنِيًّا في بلدِه، وهذا من محاسنِ دينِ الإسلامِ وما فيه من مكارمِ الأخلاقِ. قال بعضُ العلماءِ: ويدخلُ في ابنِ السبيلِ ما لو كان له سَفَرٍ يُضْطَرُّ إليه، كما لو كانت له أولادٌ في دارِ حربٍ أو في ضيعةٍ وهو مُضْطَرٌّ إلى الإتيانِ بهم ولا مالَ عنده فإنه يُعْطَى ليذهبَ ويجيءَ ويكونَ داخلاً في ابنِ السبيلِ.

وقد أجمعَ العلماءُ على أن ابنَ السبيلِ إذا كان مُسَافِرًا في معصيةٍ لاَ يجوزُ أن يُعْطَى من الزكاةِ شيئًا لأنه إعانةٌ له على معصيتِه، وَاللَّهُ يقولُ: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: آية 2] وإن كان سفرُه في قُرْبَةٍ فلا خلافَ في أنه يُعْطَى. وإن كان في مباحٍ فقد اختلفَ العلماءُ في ذلك، فقالوا: لا يُعْطَى؛ لأن المباحَ لا يلزمُ. وقال بعضُ العلماءِ: يُعْطَى؛ لأن السفرَ المباحَ فيه جميعُ التسهيلاتِ التي في السفرِ الواجبِ، فالسفرُ المباحُ تُقْصَرُ فيه الصلاةُ، وَيُفْطِرُ فيه المسافرُ، ويفعل فيه كلُّ الترخصاتِ، فكذلك يُعَانُ صاحبُه عليه. هكذا قال بعضُهم واللَّهُ تعالى أَعْلَمُ.

وقولُه تعالى: {فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ} مصدرٌ، أي: فَرَضَ اللَّهُ هذا فريضةً عليكم {وَاللَّهُ} جلَّ وعلا {عَلِيمٌ} لا يَخْفَى عليه شيءٌ {حَكِيمٌ} يضعُ الأمورَ في مواضعِها ويوقعُها في مواقعِها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015