ذلك لم يَدْفَعْهُ لهم؛ ليتصلوا بذلك إلى أن الشرعَ تابعٌ للمصالحِ، وأنه قَابِلٌ للتغييرِ في كُلِّ وقتٍ وزمانٍ تَبَعَ المصالحِ والتطوراتِ الراهنةِ، وهذا باطلٌ؛ لأن الشرعَ أَنْزَلَهُ الحكيمُ الخبيرُ العظيمُ الجليلُ الْعَالِمُ بِكُلِّ ما كان وما يكونُ، فَجَعَلَهُ شرعًا خالدًا إلى يومِ القيامةِ، مُسَايِرًا لجميعِ التطوراتِ، تَمْكُنُ مجابهتُه لكلِّ الأحداثِ مهما كانت، ولا إشكالَ في إلغاءِ عمرَ لنصيبِ المؤلفةِ قلوبُهم؛ لأن هذه الأصنافَ الثمانيةَ لاَ يُعْطَى منها إلا شيءٌ موجودٌ فإذا عُدِمَ الشيءُ فإنما لم يُجْعَلْ له سهمٌ لعدمِه، فالإنسانُ إذا قُطِعَتْ يدُه مثلاً والله يقولُ في الوضوءِ: {فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: آية 6] لا نقولُ: هذا لم يَغْسِلْ يدَه لأن يدَه سَقَطَتْ!! فالإسلامُ لَمَّا عَزَّ وتمكنَ من قلوبِ المسلمينَ وقويت شوكةُ الإسلامِ لم يَبْقَ هنالك مؤلفٌ، فلما ذَهَبَ هذا الصنفُ ذهبَ نصيبُه بذهابِه، وقد أجمعَ العلماءُ أن كُلَّ ما ذَهَبَ من هذه الأصنافِ الثمانيةِ يذهبُ نصيبُه معه، إذا لم يوجد ابنُ السبيلِ فلا نصيبَ لابنِ السبيلِ، فكلُّ ما ذهب منها ذَهَبَ نصيبُه معه، فعدمُ إعطاءِ عمرَ نصيبَ المؤلفةِ نظرًا لعدمِ وجودِ المؤلفةِ بالكليةِ؛ لأن الإسلامَ قَوِيٌّ وَتَمَكَّنَتْ شوكتُه وصارَ لاَ تأليفَ لأَحَدٍ. وهذا معنَى قولِه: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}.

وعلى كُلِّ حالٍ فالتحقيقُ في هذه المسألةِ أن حكمَ المؤلفةِ قلوبُهم بَاقٍ إذا وُجِدُوا وكان رجالٌ لهم مكانتُهم وقوتُهم في دينِ الإسلامِ، والإسلامُ محتاجٌ إليهم، والمسلمونَ محتاجونَ إليهم، فإنه يرجعُ نصيبُهم لِتَأَلُّفِهِمْ للمصلحةِ العامةِ كما فَعَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وجاء به القرآنُ العظيمُ، وإن كان لا تأليفَ هنالك، ولا حاجةَ ولا ضعفَ في الإسلامِ ولاَ ضعفَ في الإيمانِ، بل المسلمونَ في قوةٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015