واختلفَ العلماءُ في الفقيرِ والمسكينِ أيهما أحوجُ وأسوأُ حالاً (?)؟! والقاعدةُ المقررةُ عند علماءِ التفسيرِ كما قَالَهَا غيرُ واحدٍ من المتأخرينَ ويكادونَ يُطْبِقُونَ عليها: أن الفقيرَ والمسكينَ إذا اجْتَمَعَا افْتَرَقَا، وإذا افْتَرَقَا اجْتَمَعَا. ومعنَى هذا الكلامِ: أنهما إذا افْتَرَقَا بأن جاءَ في آيةٍ من كتابِ اللَّهِ أو حديثٍ من سُنَّةِ رسولِ اللَّهِ اسمُ الفقيرِ وحدَه، أو المسكينِ وحدَه، شَمِلَهُمَا معًا، دخلَ الفقيرُ في المسكينِ، والمسكينُ في الفقيرِ؛ لأَنَّ كونَهما مُحْتَاجَيْنِ يشمل كُلاًّ منهما وإن كان أحدُهما أَشَدَّ فقرًا من الآخَرِ، وإن اجْتَمَعَا كما نُصَّ عليهما موجودينِ كقولِه هنا: {لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} فقد اجْتَمَعَا، فيلزمُ إذا اجتمعا أن يفترقَا، فيكونُ للفقيرِ معنًى خاصٌّ به، وللمسكينِ معنًى خاصٌّ به. والحاصلُ أنه إذا ذُكِرَ الفقيرُ وحدَه أو المسكينُ وحدَه دَخَلَ الفقيرُ في المسكينِ والمسكينُ في الفقيرِ، وإذا ذُكِرَا معًا في مَحَلٍّ واحدٍ كهذِه الآيةِ وَكَمَنْ أَوْصَى للفقراءِ والمساكينِ كان لكلٍّ منهما مَعْنًى يَخُصُّهُ.

والعلماءُ مختلفونَ في الفقيرِ والمسكينِ أيهما أسوأُ حالاً؟ فَذَهَبَ جماعةٌ من فقهاءِ الأمصارِ وأهلِ اللغةِ إلى أن الفقيرَ أسوأُ حالاً من المسكينِ، وهذا مذهبُ الشافعيِّ (رحمه الله)، وروايةٌ قويةٌ عن أحمدَ (رحمه الله)، وبه قال جماعةٌ من السلفِ، أن الفقيرَ أحوجُ من المسكينِ. وقالت طائفةٌ: إن المسكينَ أحوجُ من الفقيرِ، وهو مذهبُ مالكٍ وأصحابِه، ومذهبُ أبِي حنيفةَ (رحمه الله). وَكُلٌّ منهما يُوَجِّهُ قولَه، أما مالكٌ فقال: إن المسكينَ أحوجُ من الفقيرِ لأَنَّ اللَّهَ قال: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)} [البلد: آية 16] فَوَصَفَ المسكينَ بأنه لاصقٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015