لَمَّا كان من المنافقينَ طائفةٌ يلمزونَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في قَسْمِ الصدقاتِ ويفترونَ عليه أنه لم يَعْدِلْ في قَسْمِهَا بَيَّنَ اللَّهُ لهم أن اللَّهَ تَوَلَّى قسمتَها وَبَيَّنَهَا وهو صلى الله عليه وسلم مُنَفِّذٌ لِمَا أَوْضَحَهُ اللَّهُ (جلَّ وعلا) فقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} المرادُ بالصدقاتِ هنا: زكواتُ المالِ الواجبةُ، فَاللَّهُ (جل وعلا) بَيَّنَ في هذه الآيةِ من سورةِ براءة مصارفَ زكاةِ المالِ التي هي إحدى دعائمِ الإسلامِ الخمسِ، جَعَلَهَا ثمانيةً، وهي: الفقراءُ، والمساكينُ، والعاملونَ عليها، والمؤلفةُ قلوبُهم، وفي الرقابِ، والغارمونَ، وفي سبيلِ اللَّهِ، وابنُ السبيلِ، هي ثمانيةٌ، و (إنما): أداةُ حصرٍ وإثباتٍ، يعنِي: لاَ يَثْبُتُ استحقاقُ الزكاةِ لشيءٍ غيرِ واحدٍ من هذه المصارفِ الثمانيةِ بإجماعِ العلماءِ.
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الفقراءُ: جَمْعُ فقيرٍ، والفعيلُ إذا كان وَصْفًا ينقاسُ جمعُه جمعَ كثرةٍ على (فُعَلاَءَ) على العادةِ ما لم يكن معتلَّ اللامِ أو مُضَعَّفًا. وهذا معروفٌ (?)، كُلُّ (فعيلٍ) في القرآنِ وفي كلامِ العربِ بمعنَى (فاعلٍ) لم يكن معتلَّ اللامِ ولا مُضَعَّفًا ينقاسُ تكسيرُه جمعُ كثرةٍ على (فُعَلاَءَ) ككريمٍ وكرماءَ، وأديبٍ وأدباءَ، وشريفٍ وشرفاءَ، وعليمٍ وعلماءَ، وفقيرٍ وفقراءَ. أما إذا كان معتلَّ اللامِ أو مُضَعَّفًا فالقياسُ أن يُكَسَّرَ على (أَفْعِلاَءَ) فمثالُ معتلِّ اللامِ: كَتَقِيٍّ وأتقياءَ، وَسَخِيٍّ وأسخياءَ، وَنَبِيٍّ وأنبياءَ. وكذلك الْمُضَعَّفُ: كحبيبٍ وأحباءَ، وشديدٍ وأشداءَ. كما هو معلومٌ في محلِّه. فالفقراءُ جمعُ فقيرٍ، وهو جَمْعٌ على القياسِ. والمساكينُ: جَمْعُ مسكينٍ كذلك.