النَّبِيَّ} [التوبة: آية 61] هذه طوائفُ من المنافقينَ تعملُ قبائحَ مختلفةَ الأصنافِ بَيَّنَهَا اللَّهُ في هذه السورةِ {وَمِنْهُم} أي: مِنَ المنافقينَ {مَّنْ يَلْمِزُكَ} يا نَبِيَّ اللَّهِ، واللمزُ معناه: العيبُ والطعنُ. تقولُ العربُ: لَمَزَهُ. إذا عَابَهُ وَطَعَنَ فيه، ومنه قولُه: {يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: آية 79] {وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات: آية 11] أي: لا يَعِبْ أحدُكم أخاه ويطعنُ فيه، ومنه: {وَيلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)} لأَنَّ اللُّمزةَ فُعَلة تدلُّ على المبالغةِ، أي: كثيرُ لَمْزِ الناسِ، أي: عيبهم والطعنِ فيهم. ومن هؤلاء المنافقينَ صنفٌ آخَرُ يلمزكَ يا نَبِيَّ اللَّهِ، يطعنُ عليكَ ويعيبكَ في قسمِ الصدقاتِ ويقولونَ: هذه قسمةٌ ما أُرِيدَ بها وجهُ اللَّهِ، ولم يُرَاعَ فيها العدلُ كما ينبغي.
ثم إن اللَّهَ بَيَّنَ قبائحَهم وَفَضَحَهُمْ بأن هذا القولَ الذي تَجَرَّؤُوا عليه ما حَمَلَهُمْ عليه إلا الطمعُ والشرهُ ومحبةُ شيءٍ يُعْطَوْنَهُ في خصوصِ أنفسِهم؛ وَلِذَا قال: {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا} فإن أُعْطُوا من الصدقاتِ رَضُوا ذلك العطاءَ وَسَكَتُوا وَفَرِحُوا {وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا} (إذا) حرفُ مفاجأةٍ، وقد قَدَّمْنَا فِي هذه الدروسِ أن (إذا) الفجائيةَ فيها لعلماءِ العربيةِ ثلاثةَ أقوالٍ: قيل: هي حرفٌ، وقيل: ظرفُ مكانٍ، وقيل: ظرفُ زمانٍ، كما هو مُقَرَّرٌ في مَحَلِّهِ (?). والمعنَى: إذا لم يُعْطَوْا من الصدقاتِ شيئًا فَاجَأَ ذلك سخطهم، أي: غضبهم وعدم رضاهم. فَبَيَّنَ اللَّهُ أن سخطهم ورضاهم منوطانِ بمصلحتِهم الخاصةِ إذا أُعْطُوا شيئًا رَضُوا وَفَرِحُوا، وإذا لم يُعْطَوْا شيئًا غَضِبُوا وَسَخِطُوا. وهذه ليست حالةَ مَنْ يريدُ وجهَ اللَّهِ ولاَ المصلحةَ العامةَ؛ وَلِذَا قال: