وقولُه: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ} [التوبة: آية 56] هذه عادةُ المنافقينَ يتقونَ بِالأَيْمَانِ الكاذبةِ {وَيَحْلِفُونَ} للنبيِّ والمسلمينَ {بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ} في الباطنِ والظاهرِ، وَاللَّهُ يقولُ: {وَمَا هُم مِّنْكُمْ} بل هم أعداؤُكم ولا عَاشَرُوكُمْ إلا مُرْغَمِينَ على ذلك لاَ يجدونَ عنه مَفَرًّا، كما يأتِي في الآيةِ الآتيةِ بعدَ هذا {وَيَحْلِفُونَ} للنبيِّ وأصحابِه قائلينَ {إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ} بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَاللَّهُ يقولُ: {وَمَا هُم مِّنْكُمْ} هم كفرةٌ أعداءُ ليسوا منكم {وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} يَفْرَقُونَ معناه: يَخَافُونَ. العربُ تقولُ: فَرِقَ الرجلُ بكسرِ الراءِ يَفْرَقُ بفتحِها على القياسِ فَرَقًا بفتحتينِ فهو فَرِقَ إذا كان خَائِفًا شديدَ الخوفِ (?). وهو معنًى معروفٌ في كلامِ العربِ، ومنه قولُ أبِي مِحْجَنٍ الهذليِّ في أبياتِه المشهورةِ (?):

الْقَوْمُ أَعْلَمُ أَنِّي من سَرَاتِهِمُ ... إِذَا تَطِيشُ يَدُ الرِّعْدِيدَةِ الْفَرِقِ

الذي يرتعدُ إذا أرادَ أن يرميَ فترتعدُ يدُه من الفرقِ وهو الخوفُ. أي: {وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} أي: يخافونَ منكم فَيَتَوَدَّدُونَ ويحلفونَ لكم الأيمانَ الكاذبةَ أنهم منكم في الباطنِ وليسوا منكم في الباطنِ، بل هم أعداءُ كفَرَةٌ فَجَرَةٌ، هم أَعْدَى الناسِ لكم كما سيأتِي قريبًا. وهذا معنَى قولِه: {وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} ثم بَيَّنَ شدةَ عداوتِهم لهم فقال: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً} [التوبة: آية 57] لو كانوا يَجِدُونَ مَلْجَأً يلجؤون إليه ويعتصمونَ به دونَكم للجؤوا إليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015