ليعذبَهم بها - أي في الآخرةِ - وعلى أن في الآيةِ تقديمًا وتأخيرًا فَلاَ إشكالَ في المعنَى. وهذا القولُ مَرْوِيٌّ عن ابنِ عباسٍ (?) وجماعةٍ مِنَ السلفِ.
وقال جماعةٌ من العلماءِ منهم الحسنُ البصريُّ وغيرُه (?): إن الآيةَ لاَ تقديمَ فيها ولاَ تأخيرَ، وأن اللَّهَ يعذبُ المنافقينَ بالأموالِ في الحياةِ الدنيا. وعلى قولِهم فالضميرُ راجعٌ إلى الأموالِ فقط دونَ الأولادِ، ومعنَى كونِ اللَّهِ يعذبُهم بأموالِهم في الحياةِ الدنيا أن اللَّهَ يفرضُ عليهم فيها الزكاةَ ويفرضُ عليهم فيها الحقوقَ الواجبةَ فَتُؤْخَذُ قَهْرًا منهم رغم أنوفِهم، وأعظمُ ما يعظم على الإنسان إذا كان يُؤْخَذُ الشيءُ من تحتِ يدِه وهو مُحِبٌّ له كُرْهًا رغم أنفِه لا يريدُ به وجهَ اللَّهِ، وأن اللَّهَ أيضًا يسلطُ عليها المصائبَ والبلايا فتحزنُ قلوبُهم وتتعذبُ، ولأنه يُتْعِبُهُمْ في جَمْعِهَا أَوَّلاً فتأتيهم بمتاعبَ من جهاتٍ متعددةٍ، منها: تَعَبُهُمْ ونصبُهم في جَمْعِهَا أولاً وما ينزلُ بها مِنَ المصائبِ، وتكليفُهم دفعَ الزكاةِ فيها، وإنفاقُها في سبيلِ اللَّهِ للجهادِ ونحو ذلك، فهذا تعذيبٌ لهم؛ لأن أَشَدَّ ما يُؤْلِمُ المنافقَ أخذُ مالِه من تحتِ يدِه قَهْرًا لِعِزَّةِ المسلمينَ ونصرِ دينِ الإسلامِ، هذا أمرٌ يُؤْلِمُ قلوبَهم جِدًّا، وَكُلُّ ما يُؤْلِمُ الإنسانَ يُسَمَّى تعذيبًا له. وعلى هذا القولِ فلاَ تقديمَ ولا تأخيرَ في الآيةِ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي: ويجمعَ لهم مع ذلك عذابَ الآخرةِ {وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ} أي: يموتوا {وَهُمْ كَافِرُونَ} فيتصلُ لَهُمْ عذابُ الآخرةِ الذي لاَ ينقطعُ بعذابِ الدنيا. وهذا معنَى قولِه: {وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}.