العلماءِ: لم يَقْبَلْهَا رسولُ اللَّهِ فَرَدَّهَا عليهم. وقال بعضُهم: لا يَقْبَلُهَا اللَّهُ، أي: لا يُؤْتِيهِمْ عليها أَجْرًا؛ لأنها لاَ يُرَادُ بها وَجْهُ اللَّهِ.
ثم قال: {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ} أي: خارجينَ عن طاعةِ اللَّهِ. والفسقُ في لغةِ العربِ (?) معناه الخروجُ. وفي اصطلاحِ الشرعِ (?): الفسقُ: الخروجُ عن طاعةِ اللَّهِ. تارةً يَعْظُمُ ذلك الخروجُ فيكونُ كفرًا، وتارةً يكونُ خروجًا دونَ خروجٍ، وَفِسْقًا دونَ فِسْقٍ، فيكونُ بارتكابِ كبيرةٍ؛ ولأَجْلِ هذا كانَ الفسقُ يُطْلَقُ في القرآنِ على الكفرِ كقولِه: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: آية 20] وتارةً يُطْلَقُ على ارتكابِ المحرمِ الكبيرِ كقولِه: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: آية 6] وقولِه فِي القاذفينَ: {وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: آية 4].
وهذه الآيةُ معلومٌ تعلقُ المعتزلةِ بها في أن السيئاتِ تُبْطِلُ الحسناتِ، قالوا: لأن اللَّهَ صَرَّحَ بأن فسقَهم أَبْطَلَ نفقتَهم. وَمِنْ هنا زَعَمُوا أن كبائرَ الذنوبِ تُبْطِلُ الأعمالَ. وهذا مذهبٌ باطلٌ لا شَكَّ في بُطْلاَنِهِ، وهذه الآيةُ التي تَعَلَّقُوا بها بَيَّنَ اللَّهُ (جلَّ وعلا) بُطْلاَنَ حجتِهم منها في قولِه بعدَه - يليه -: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا} فَصَرَّحَ بأن المبطلَ للأعمالِ هو صريحُ الكفرِ. وهذا معنَى قولِه: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ}.